منذ سنة ونيّف صدرت نتائج مباراة كتّاب العدل (21 كانون الثاني 2019). أعدّ وزير العدل حينذاك مرسوماً وأحاله لرئاسة مجلس الوزراء. لم ترضِ نتيجة المباراة رئيس الحكومة سعد الحريري. كان يجب أن ينجح في المباراة متبارون من طائفته أكثر عدداً وأن يشغروا مراكز العاصمة بيروت! ولكنهم لم ينجحوا! فما كان منه إلا أن “ضبّ” المشروع في الجارور وأقفل عليه. ولم تنجح كل المحاولات لثنيه عما فعل. وكان وزراء ورؤساء حكومة ورؤساء جمهورية قد فعلوا فعلته أيضاً.
وعد الوزيرة
ناجحون في مباراة، في دولة الفساد، لا يدرون ما يفعلون، يختارون طريقًا آخر، يهاجرون، أو ينتظرون محاصصة ما، مساومة ما لفتح الجارور.
في لقاء مع وزيرة العدل الدكتورة ماري كلود نجم، بتاريخ 4 آذار الماضي، في زمن كورونا، طالب مكتب مجلس الكتّاب العدل بتعيين الناجحين، فأكدت الوزيرة على أنها ستوقع المرسوم. ورداً على ما يشاع عن محاولة استحداث مراكز جديدة للالتفاف على نتائج المباراة، أكدت بوضوح وبثقة وصراحة أنها لن تستحدث مراكز كتّاب عدل جديدة، قبل بحث الأمر مع مكتب المجلس.
لم تفِ السيدة الوزيرة بوعدها، أعدت مشروع مرسوم استحداث مراكز جديدة (تعادل خُمس عدد المراكز الحالية!) إلى جانب مرسوم تعيين الناجحين، من دون التشاور مع مجلس الكتاب العدل، رغم أن رفع لواء دولة القانون و قواعد العمل المؤسساتي يقتضيان التشاور مع الهيئات الممثلة للمهن، ورغم أن قانون كتابة العدل ينص على أن مكتب المجلس يبدي رأيه في كل القوانين والأنظمة التي تتعلق بالمهنة، أعدت مشروع مرسوم خفية، من دون أي دراسة موضوعية وعلمية لموضوع استحداث مراكز جديدة، ومن دون ان تأخذ بالاعتبار المراكز الوهمية الحالية، والتي يقتضي دمجها والغاءها قبل أي استحداث، ومن دون ان تأخذ بالاعتبار الجمود بل القصور الاقتصادي الحالي، وتراجع في عدد المعاملات إلى حدود الـ40 في المئة. وأعدت مرسوم الاستحداث على عجل، ومن دون استشارة أهل المهنة، وعرضته من خارج جدول الأعمال (!) على مجلس الوزراء بالتزامن مع مرسوم تعيين الناجحين.
غَلّفتْ بمشروع مرسوم لقضية عادلة مشروع مرسوم لقضية جائرة، يصيب صندوق تعاضد وتقاعد الكتاب العدل بمقتل، ويصيب المهنة بضرر كبير أول ضحاياه الكتاب العدل الجدد.
ولم تكتف الوزيرة بتهريب مشروع المرسوم، بل الأنكى أنها صرحت لصحيفة “الجمهورية” بأنها درست الموضوع مع الإدارات المعنية والمعنيين الأساسيين هما مجلس الكتاب العدل ولجنة صندوق تعاضد وتقاعد الكتاب العدل!
المثير للريبة
من حق السيدة الوزيرة أن تقترح استحداث مراكز جديدة، ولكن ليس من حقها ولا كان متوقعاً منها، حسب ما قدمت نفسها، أن تلجأ إلى أسلوب تجاهل وتجاوز الهيئات النقابية المعنية أساساً بالموضوع، وهي ترفع لواء القانون، وأن تلجأ إلى أسلوب التعمية وهي ترفع لواء الشفافية.
عوض أن تسلك السيدة الوزيرة طريق الشفافية، وأن تعلن على الملأ رغبتها في استحداث مراكز جديدة، بالاستناد إلى دراسة علمية حول مؤشر النمو الاقتصادي، وحول العدد و توزيعه على المدن والبلدات، وأن تقرن ذلك بدمج وإلغاء مراكز وهمية، استحدثت سابقاً خبط عشواء، ولا غاية لها سوى إرضاء سياسيين، كما وأن تدير نقاشاً عاماً حول الموضوع وخاصة مع ممثلي المهنة كما يتوقع من وزيرة أكاديمية تحاضر بالديموقراطية والشفافية، وأن تقرر على ضوء كل هذا النقاش إذا ما كان يتوجب الاستحداث أم لا.. عوض كل ذلك لجأت إلى عرض الموضوع من خارج جدول الأعمال (لماذا؟ ما هي الضرورة القصوى؟ إنه لأمر يثير الريبة). وهي تكون بذلك قد اتبعت الطريقة نفسها لمن ادعت أنها جاءت لتصلح ما أفسدوه!
كانت السيدة الوزيرة قد قدمت نفسها في قضية التعيينات المالية وقضية التشكيلات القضائية على أنها مستقلة وضد الفساد وضد المحاصصة و”مع ثورة تشرين”، وطالبت مجلس القضاء الأعلى بتخطي الطائفية واتهمته بأنه دوّر الزوايا.
لماذا إذاً حاولت السيدة الوزيرة الأستاذة الجامعية، صاحبة “التويت” ضد المحاصصة تخطي مجلس القضاء الأعلى في موضوع يخص القضاء، رغم صراحة القانون. وتخطت مجلس الكتاب العدل في موضوع يخص كتاب العدل، رغم صراحة القانون، ورغم وعدها بذلك. لماذا حاولت في موضوعين يتعلقان بقطاعين يتبعان الوزارة التي تتولى مهامها أن لا تكون شفافة؟ لماذا دورت الزوايا وفعلت عكس ما نادت به وهدرت مصداقيتها؟!
إرضاء الطوائف!
رئيس الحكومة السابق أقفل الجارور. وزيرة العدل ورئيس الحكومة الحاليان وجدا حلاً: تدوير الزوايا، والإلتفاف على مبدأ المباراة، الذي يقوم على اعطاء المراكز الشاغرة للناجحين الأول في قائمة المتبارين، وتحويل طبيعتها، فتصبح امتحاناً لنرضي الطوائف. ونستحدث مراكز جديدة خلافاً للأصول وللقانون، ومهما يكن تأثيرها سلبياً على المهنة. فنرضي المعترضين على المباراة لأسباب طائفية، ونفتح لهم مباراة جديدة. محاصصة وإرضاء لابتزاز طائفي في موضوع لا يتعلق بتعيين مناصب في سلك الدولة بل بمباراة!!
وجدا حلاً، ولكن هذه المرة بأسلوب مستقل، أكاديمي وتكنوقراطي أين منها فجاجة حل الجارور. يحيا العدل وتحيا دولة القانون.
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع بيروت نيوز بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.