كتب منير الربيع في “المدن” تحت عنوان العهد والحكومة يتوسلان صمت سلامة؟
انتقلت الحكومة والعهد من المعركة مع حاكم مصرف لبنان، إلى معركة سياسية شاملة بمواجهة خصومهما، تحت شعار “مكافحة الفساد”.
وقبيل عزم رياض سلامة الخروج يوم الأربعاء لـ”يصارح” الرأي العام بالحسابات لدى مصرف لبنان، وتدخله في صرف أموال لمشاريع واعتمادات للدولة اللبنانية ومؤسساتها، انطلقت مساع للتهدئة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب مع حاكم مصرف لبنان، الذي زاره اللواء عباس ابراهيم، للاطلاع والتنسيق في ما سيقوله سلامة في بيانه المصور المرتقب يوم الأربعاء المقبل. ونظرياً، يستمر الضغط على سلامة لدفعه إلى التدخل لكبح جموح سوق العملة، بينما هناك من يسعى لعقد لقاء بين دياب وسلامة قبل الأربعاء، من دون توفر أجواء إيجابية حول عقد هذا اللقاء.
المصيبة تجمع
القاصي والداني في لبنان يعلم أن سلامة، الذي يحمي نفسه بالقوانين والقرارات الصادرة عن مجلس النواب والحكومة، وبالموازنات الموقعة من رئيس الجمهورية، لديه أيضاً مستمسكات على كل القوى السياسية، وبعض من هاجموه وصعّدوا الحملة بوجهه ودفعوا رئيس الحكومة إلى تهديده، ليس من مصلحتهم أن يفرج سلامة عن ما في جعبته، خصوصاً عندما لمّح إلى كشفه عن تدخله المالي من قبل المصرف المركزي في قطاع الكهرباء، والإشارة إلى حجم المبالغ المدفوعة.
لذا، أفرقاء كثر لا يريدون لسلامة أن يتكلم، ولذلك كانت حمى المساعي لتهدئته وإرضائه.
المصيبة وحدها هي التي تجمع القوى السياسية المختلفة فيما بينها. لذلك هم يبحثون عن هروب إلى الأمام. وعلى ما يبدو، فإن محاولاتهم لجعل حاكم مصرف لبنان والمصارف كبش محرقة قد فشلت. فأخذوا بالبحث عن صيغة لتسوية معهم رغم الإيحاء باستمرار الضغط عليهم.
الثقب الأسود
مقابل ذلك، تستمر السلطة في مواجهة خصومها السياسيين وستظهر أكثر في الإجراءات والتدابير التي ستقرها الحكومة في جلسة الثلاثاء. وهذه التدابير تتعلق أيضاً بالكشف عن هويات الأشخاص الذين حولوا أموالهم إلى خارج لبنان بين 17 تشرين و31 كانون الأول من العام 2019. علماً ان التقارير المصرفية لم تشر إلى وجود ملابسات في عملية تحويل هذه الأموال. والمعركة الأساسية سيكون عنوانها “مكافحة الفساد”، بعد محاولات لإرضاء الرئيس نبيه بري للسير بهذا المشروع مع حفظ صلاحيات وزير المال فيه.
ستحاول الحكومة شراء صمت رياض سلامة، ليدخل اللبنانيون إلى مغارة جديدة من مغارات الغموض، التي لا يبدو أنه مكتوب لهم كشف بواطنها ومحتوياتها.
هكذا سيبدو اللبنانيون جميعاً وكأنهم وقعوا في الثقب الأسود. وإذا ما نجح العهد وحكومته في شراء صمت سلامة، سيأتي وقت فيما بعد يدفع فيه حاكم مصرف لبنان الثمن، كما حصل بعد الانقلاب على خيار التجديد له، أو منحه ولاية جديدة من قبل حكومة الحريري، والذي حصل باقتراح من قبل رئيس الجمهورية وموافقة وزراء التيار الوطني الحرّ حينها، وعادوا وانقلبوا عليه.
صمت سلامة سيعني تثبيت إدانته لنفسه، وإضعاف موقعه أكثر، مقابل شرائه وقت أطول قبل الانقلاب الذي سيتعرض له مجدداً في مرحلة لاحقة.
برّي وفرنجية
وكما هو الحال بالنسبة إلى سلامة، كذلك بالنسبة إلى الرئيس نبيه بري، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، اللذين قد يوافقان على إقرار جدول أعمال جلسة الحكومة، والتدابير المقررة، والتي تمنح صلاحيات للأجهزة الأمنية للتحقيق في الوزارات والإدارات. بري وفرنجية يعلمان أنهما مستهدفان من قبل العهد ورعاة الحكومة أيضاً، وهذه ليست المعركة الأولى التي تفتح بوجههما.
وهما يسجلان الكثير من الملاحظات على التدابير التي ستقّر، والتي لن تشمل حقبة أواخر الثمانينيات، الفترة التي كان فيها عون في قصر بعبدا. كما أن الإصرار على التحقيق بحسابات الوزارات والوزراء يعود فقد لخمس سنوات سلفت وليس أكثر، على أن تكون إجراءات التحقيق والتدقيق استنسابية، وفق ما ترتئيه الأجهزة الأمنية، التي ستوكل إليها المهمة. وطبعاً عون يتمسك حصراً بإيكال المهمة لجهاز أمن الدولة.
قد يوافق بري على إقرار بنود جدول الأعمال، لكنه حتماً سيبقى على سلاحه متأهباً. كما القوى السياسية الأخرى المعارضة للحكومة، التي تعتبر أن ما يجري هو ذر للرماد في العيون، وتصفية حساب سياسي بذريعة مكافحة الفساد، علماً أن تلك المكافحة لا يمكن أن تتم بهذه الطريقة.
ما سيشرع أبواب التوتر السياسي على مصاريعها في المرحلة المقبلة، وما سيرتبط به من توتر أمني بسبب سوء الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نرى تباشيره واضحة في مختلف المناطق منذ أيام ثلاثة.