ليس ما تفعله السلطة سوى تمارين في العبث: إعادة اختراع الدولاب بدل تحريك القطار المتوقف في محطة الأزمات. لقاءات وبيانات تعيد البدء من نقطة الصفر، كأن الدستور والمؤسسات والمواثيق واللقاءات منذ اتفاق الطائف أشياء من عالم آخر مكانها المتحف. فلا السلطة مؤهلة لحل الأزمات الضاغطة نقدياً ومالياً واقتصادياً واجتماعياً لأنها تصنع الأزمات وتعيش عليها.
ولا هي قادرة على ان تحفظ رأس لبنان وقت تغيير الدول، لأنها أيرة دورين مفروضين عليها في اللعبة الكبيرة في المنطقة: دور الجبهة الامامية في الصراع بين اميركا ومحور “الممانعة ” بقيادة ايران، ودور الورقة المعدة، مثل سوريا والعراق، للمساومة في وقت ما بين اميركا وايران وروسيا واسرائيل وتركيا.
ذلك ان وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو يطالب السلطة باجراء “اصلاحات حقيقية والعمل بطريقة لا تجعلها رهينة “حزب الله” كشرط لمساعدة اميركا والعالم لبنان “في نهوض اقتصاده”.
وهو يعرف، كما اقتنعت فرنسا اخيراً، بأن السلطة لا تريد إصلاحات، ولا تستطيع ايجاد هامش رمادي بينها وبين “حزب الله” الذي صار صاحب السلطة.
فالواقع، بصرف النظر عن المظاهر والطقوس والالقاب، ان “حزب الله” يتولى ادارة “دولتين” في اللادولة اللبنانية.
واحدة خاصة به يحكمها من دون شريك محلي لها جيشها وجهاز أمنها واقتصادها وسياستها الاقليمية والدولية وعلاقاتها الخارجية. خاضعة لولاية الفقيه التي تمول وتسلح. تتولى “خصخصة” الدفاع ضد العدو الاسرائيلي، وتقاتل في سوريا وتلعب ادواراً في العراق واليمن.
والثانية يتحكم بها ويحافظ على مناصب حلفائه فيها ويحرس حتى حكومة فاشلة جاء بها مستخدماً ما يسميه الكل تقريباً من دون نقاش “فائض القوة”.
“فائض القوة” في بلد مفلس يقال انه منهوب لا مفلساً قاده حكامه الى هاوية أزمات لم يعرف البلد مثيلاً لها ايام الحرب الطويلة.
في الحرب كان الاقتصاد يعمل، والاموال الخارجية تتدفق على كل الاطراف، والاهتمام الاقليمي والدولي بلبنان كبير واتفاق الطائف من ثمار الاهتمام.
وكان هناك اكثر من طرف قوي يتصرف كأنه صار لاعباً اقليمياً.
ثم تبدد كل شيء حين تغيرت الرياح وحسابات القوى الخارجية. وفي الوضع الحالي، فان قوة “حزب الله” محكومة بحسابات دقيقة: نصف القوة من ضعف الآخرين، والنصف الآخر ليس قابلاً للاستعمال في الداخل لان استعماله خطير عليه وعلى لبنان.
وفي سياسات الفرض وسياسات الرفض كثير من لعبة استضعاف الرابحة حتى الآن.