الحصانة السياسية في لبنان بين استغلال النفوذ والتملص من المحاسبة..

2 يوليو 2020
الحصانة السياسية في لبنان بين استغلال النفوذ والتملص من المحاسبة..

Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/beirutnews/public_html/wp-content/themes/newsbt/includes/general.php on line 742
نعمت الرفاعي
نعمت الرفاعي

ترعرت البلاد العربية على الحكم الإقطاعي… من البيك ألى الآغا.. إضافة إلى الوالي والمير (الأمير) وحاشيتهم…حيث كان لبنان متصرفية.. لا يختلف عن بقية الإمارات التي تقبع تحت الحكم العثماني أو الفرنسي… وما قبلهما حتى إعلان دولة لبنان..

وكان هؤلاء الإقطاعيون يفعلون ما يشاؤون.. فيبقى هو السيد والشعب عبيد أشبه برعاع… يعملون فقط لإشباع بطونهم الجرباء…


فهل يختلف حكم اليوم عن الأمس؟ وهل تحرر لبنان من النظام الإقطاعي عبر الزمن؟!


الحصانة السياسية

يبدو أن النظام الإقطاعي لن يندثر بسهولة من أنظمة الحكم، سنبدأ من أسفل الهرم…
فالعسكري يضرب ويبطش حتى الأطباء في مستشفياتهم بذريعة الحصانة… مرورًا بالضابط الذي تسوِّل له نفسه الظلم أحيانًا بغية مآرب وصولاً للمحامي والقاضي وغيرهم في القضاء فيسعى أحيانًا لتزوير الحقائق ليبخس الناس حقوقهم…

كل هذا لم نتطرق، بعد للفئة الحاكمة المكشوفة بفسادها للعيان…
فالبطش والذل والسرقات العلانية، أضحت واضحة…
وكأنها تقول للبناني البسيط الثائر المطالب بحقوقه…
أنا أستطيع فعل ما أشاء بك، أما أنت حتى لسانك ليس ملكك إن أنا شئت….

فالترهيب الإقطاعي ما زال يعبث جيدًا بمؤسسات الدولة وبنفوس رجالها المريضة…
فهذا العهد المريض، أصاب الكرة الأرضية برمتها أمراضًا…

فالنظام العالمي الجديد، أتى بكذبة تدعى الحرية التجارية والديمقراطية…
فبقيت في لبنان مجرد سراريب من الأكاذيب المتتالية..
فلكم تغنى العرب أجمعهم بنظام لبنان المعتدل… دون الغور في مسببات الحروب الأساسية التي ضربت أمنه وسلامته…

فالنظام الديمقراطي، لم يكن ذات يومٍ، في بلدي ديمقراطيًا بحت… فهو يكون ديمقراطيًا أو استبداديًا بشروط يضعها الحاكم (الكتلة الحاكمة-الفاسدة) وذلك حسب مزاجيته وأهوائه…

فكما كانت التجارة الحرة، ذات يوم كذبة كبيرة بوجه الامبريالية لتعود وتُحدَّد جمارك باهظة لسرقة التاجر والمواطن على حدٍّ سواء… إلا من تبع نظامهم، أو كان من سياسيهم….

فمثلا حين يشهر نائبٌ في البرلمان اللبناني على الهواء مباشرة التحريضَ على القتل ويعتبر هذا بالجرم المشهود حسب قانون أصول المحاكمات الجزائية… ولكن هل من يجرؤ بالادعاء على من سطا نفوذه على جميع الادعاءات التي قد تودي بحصانته..
فمن يستطيع التملص من العقوبات الدولية، يستطيع فعل أي شيء للثبات في منصبه، دون استطاعة أحد ملاحقته..
وهل بإمكاننا اعتباره استغلال نفوذ؟ أم أنها حماية تحت مسمى الحصانة؟
وهل الاستغلال للنفوذ، تغطي على قوانين الحصانة وتدحضها أم تدعمها وتجعلها ذريعة للبطش والتنكيل أكثر فأكثر؟!

فإذا كان النفوذ يعطي ذرائع البطش لأصحاب الحصانات، فكيف تعمل الحصانات في لبنان على حماية أصحاب النفوذ وإعطائهم القوة المتينة لخرق القوانين؟!

تعدد الحصانات

موضوع الحصانات متشعب وكثير في بلدٍ مُلئَ بالفساد والمفسدين ولن تنحصر أبدًا الحصانات في وجه معين..
فلم تكتفِ الدولة بالحصانات السياسية لحماية حكامها، فالحصانات متعددة طالما هناك دولة ممزقة دينيا وشعائبيا وفكريا…

فكثيرا ما حاول القضاء عن لف قضايا مصيرية تتعلق بالدولة ورجالاتها بسبب ما يسمى الحصانة الطائفية .. مثل حماية سياسي سني من تجريمه في قضية محرقة برج حمود، وحتى انتفاضة طائفة معينة من رهبان وخوارنة مثلاً لنصرة حاكم مصرف لبنان لأنه من ديانة معينة فتمَّتْ حمايته عن طريق ما يسمى الحصانة الدينية.

ولم تقل أهمية عن سابقتها وهي الحصانة الحزبية

حيث ترجح أنها من أكثر الحصانات ابتذاذا ومراوغة.. فكل حزب في لبنان يحاول زرع أزلامه في السلطة، لتمرير صفقاته عبر معابر غير شرعية أو التملص من دفع غرامات مالية، مستخدمًا رجالاته في الدولة ومناصبها لغايات ومصالح حزبية وزيادة نفوذه.. من جهة أخرى، فإن كل حزب يتمتع بحصانة سياسية أو اقتصادية يسعى للاستفادة منها عن طريق رفع الغطاء المادي عنه والتهريب… استغلال المرافق الحيوية لتمرير صفقاته المشبوهة… تبييض الأموال وغيرها من وسائل تدمر البلاد وأموالها واستثماراتها واقتصادها… مما أوصل البلاد إلى حواف الانهيار التام وجوع الفقير وذله…
وإذا كان الفقير يصمت على إذلاله بحفنة من المال، فإن السياسي الآن لا يكلف نفسه “اليوم” حتى برمي القمامة له حتى يأكل منها…


فالخواريف التي لا تُؤكل لحومها، تُترك للموت مقابل حرب الجوع…


النفوذ أقوى الحصانات
وتبقى الحصانات السياسية في لبنان تغطي على النفوذ وتزيد استغلالها من أصحاب المناصب…
فإن كانت حصانة النائب للمطالبة بحماية الشعوب وتحصيل حقوقها، فهي اليوم فقط لحماية الأحزاب والذرائع الطائفية وتقف خلفها وتحميها…
فاللهم منك الصبر… وألهم شعوبنا ثورة راقية، لا تُدَسُّ فيها الكوادر الحزبية التي تقتل ثورة المساكين يومًا بعد يوم…

ويبقى السؤال الأهم…
هل نتخلص يومًا من رواسب الحصانة الزائفة؟!
الجواب يتخلص بجملة واحدة، أمل، بصيص نور في الأفق البعيد… وهي أنها حين تنجح ثورتنا، سيبقى أملنا كبيرًا في مطالبة دولتنا الجديدة بتعديل قوانين الحصانة، للحد من بطش الحكام حين نأتي لمثل هذي الأيام…

المصدر بيروت نيوز