منذ أسابيع قليلة، قال رئيس الحكومة المستقيل: “لا بديل عنّي”! تصريحٌ يعكس الكثير من السطحيّة في فهم تعقيدات السياسة اللبنانيّة، والكثير من النرجسيّة. كان حريّاً بالرئيس السابق أن يقرأ معنى العثرات التي وضعتها في طريقه وطريق حكومته الكتل التي دعمته وأودعته وزراء ووزيرات. نعم، الكتل التي كانت داعمة للحكومة ومُمثّلة فيها، كانت تعرقل أكثر من الكتل التي كانت خارج الحكومة وتتموضع في المعارضة. لا بل كان من الطبيعي أن تُمارس الكتل المعارضة معارضتها، ولكن هل كان طبيعياً أن تُمارس الكتل الموالية معارضتها؟
الآن، أصبحت هذه التفاصيل خلفنا، لا سيّما أمام هول الكارثة التي حلّت بلبنان جرّاء إنفجار المرفأ، وقد تبيّن أن رئيسي الجمهوريّة والحكومة كانا على علم بوجود المواد القابلة للإنفجار في عنابر الميناء. وهذا ما يُحتّم الإصرار على التحقيق الدولي الذي يُمكن له أن يحدّد المسؤوليّات بدقّة وصولاً إلى أعلى الهرم. بالمناسبة، تُذكّر هذه الفاجعة بمقولة الرئيس القويّ. إذا كان الرئيس القويّ لا يستطيع حماية لبنان من شبه إنفجار نووي، فكيف يكون قويّاً؟ وإذا كان الرئيس القويّ لا يستطيع الضغط، أقلّه منذ بدء ولايته الرئاسيّة، أي منذ نحو ثلاث سنوات، للتخلّص من مواد شديدة الخطورة، فكيف يكون قويّاً؟
إذا كان الرئيس القويّ يُعطّل التشكيلات القضائيّة إصراراً منه على منصب قضائي هنا أو هناك، أو تمسّكاً منه بقاضٍ موالٍ في هذا المركز أو ذاك، كيف يكون قويّاً؟ إذا كان الرئيس يوقف خطة الكهرباء الإصلاحيّة لتضمينها إنشاء محطة كهربائيّة في سلعاتا، ويلزِم مجلس الوزراء على تغيير قراره السابق تحقيقاً لهذا الهدف، فكيف يكون قويّاً؟
إذا كان الرئيس القويّ يعتبر إنفجاراً هائلاً “فرصة” لمجرّد أنه حرّك المجتمع الدولي لإعادة التواصل معه، بعد قطيعة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات اللبنانيّة- الدوليّة، فكيف يكون قويّاً؟ إذا كان المجتمع الدولي يبلغ الرئيس القوي نفسه أنّه لا يثق به وبحكمه وبإشرافه على مجلس الوزراء وعلى المؤسسات الحكوميّة اللبنانيّة، وسيوفر الآليّات المطلوبة لإيصال المساعدات الغذائيّة والطبيّة إلى الشعب اللبناني مباشرة؛ فكيف يكون الرئيس قويّاً؟
إذا كان تحطيم صورة الرئيس في لحظة غضب، يستدعي توقيفاً للفاعل، فهل يكون الرئيس وأزلامه الذين يتيقّظون فقط لملاحقة هؤلاء أو لمن يكتبون موقفاً سياسياً مُناهضاً على منصّات التواصل الإجتماعي هو الرئيس القوي؟
كم هو ثقيل هذا العهد على لبنان واللبنانيين. كم هي كارثيّة نتائجه على كل المستويات. ترى ألا يفكّر الرئيس عون، عندما يختلي بنفسه في المساء وقبل النوم على الوسادة الوثيرة في الجناح العائلي الفخم، في الطابق العلوي من قصر بعبدا، بعد مغادرة الأصهر والمستشارين والمُتزلّفين، ألا يفكّر كيف سيذكره التاريخ؟ ألا يفكّر كيف أنّ عهده يكاد ينقضي من دون تحقيق إنجاز وحيد للبنانيين؟ ألا يفكّر بأن يسحب ذاك التصريح المُشين، الذي قال فيه أنّه سيسلّم خلفه دولة أفضل من تلك التي استلمها مع الإنهيار المتتالي لأعمدة الهيكل فوق رؤوس الجميع؟
آن الأوان لهذا العهد أن يرحل، فكِلفة رحيله أقلّ بكثير من كِلفة استمراره.