مصطفى أديب إذ يبدأ

ودائع الناس.. هذا هو عنوان حكومتك مصطفى أديب

4 سبتمبر 2020
عصام الجردي
عصام الجردي

لن يكون رئيس الحكومة المكلّف مصطفى أديب بعد تأليف حكومته مضطرًا إلى الرضوخ لأحزاب السلطة، في حال تمسّكت بهذه الحقيبة الوزارية أو تلك. لو حصل العكس، ستكون الإشارة الأولى إلى أنّ الحكومة ليست على خط الإصلاحات المطلوبة بإلحاح.

الأمر الثاني هو موقف الحكومة الجديدة من خطة التعافي المالية التي وضعتها حكومة حسّان دياب.

وهذا الموقف يختصر رؤية الحكومة إلى الوضعين المالي والنقدي، واستطرادًا إلى مصرف لبنان والجهاز المصرفي. في صلب تلك الرؤية تكمن قضية الودائع المصرفية وحقوق الناس، وعمليات الإقتطاع اليومي منها خلافًا للدستور والقوانين المعنية.

الحقائب الوزارية
إصرار قوى سياسية على تكريس وزارات معينة لطائفة بعينها يمثلها هذا الحزب أو ذاك، إنّما يشكّل عقبة أساسية في وجه محاربة الفساد، لتوفير ما يكفي من الأدلة والبراهين على سوء استخدام المال العام.

ليست من قبيل الصدفة المحض، أنّ الوزارات الخارجة على مبدأ تداول السلطة، هي مكامن الإهدار المالي الرئيسي الذي رتّب مليارات الدولار الأميركي دينًا عامًّا ويحتمل فسادًا كبيرًا.

ليست من الصدفة بل وبالضرورة، أن الوزارات المشتبهة بالفساد والإهدار المالي، سِمتها عمومًا نقص فادح في معروض خِدماتها للمواطن والاقتصاد وسوء الخِدمات.

تلك الوزارات أيضًا، تنتظر شمولها بالتدقيق الجنائي.

لا نعرف كيف تصان حقوق طائفة بوزير فاسد يمثلها.

عدم تداول السلطة في وزارة ما، وتكريسها لحزب أو لتيّار أو لحركة بدعوى حقوق الطائفة، هو الفساد الإداري الأخطر في المؤسسات العامة من بوابة الفساد السياسي. الذي يحصل أنّ الجهاز الإداري في الوزارات المعنية يصبح عرضة لتلحق به لوثة الفساد.

خصوصًا حين يلجأ الفريق السياسي المهيمن على الوزارة إلى التأثير على البنية الوظيفية والإدارية في الوزارة، بما يخدم نهجًا فاسدًا وزبائنيًا من الحقوق العامّة. نهج كهذا يوصد الأبواب عمّا يجري داخل الوزارات.

يحفّز على ولوج مسلك الفساد في الوظيفة العامة. يُحارب الكُفء ويُحابي الفاسد. مع تقاعس مؤسسات الرقابة والمحاسبة والمساءلة، و/ أو منعها من القيام بواجباتها، تترسّخ آفة الفساد وقلّة الإنتاج وسوء الخِدمات.

كما حالنا تمامًا.

لا يقف الأمر عند حدود الوزارة.

بل في المؤسسات الخاضعة لوصاية الوزارة. وربما هنا تكمن الفجوات المالية والإدارية الأوسع. ويكمن تجاوز الوزير سلطات الوصاية حين تدار المؤسسات من مجلس إدارة مستقل، ومدير عام يعين في مجلس الوزراء.

ليست مؤسسة كهرباء لبنان المثال الوحيد في هذا المجال رغم كونه فاقعًا ولا يُحتمل. عشرات المؤسسات من مالية ومصرفية وصناعية وزراعية، وسياحية، ومائية، وأخرى في قطاعات النقل البرّي والبحري والجوي، وليس على وجه الحصر، كلها تقع إمّا تحت وصاية وزارة أو أكثر في وقت واحد، وإمّا فيها للوزير اليد السياسية الأولى.

رغم وجود مجلس إدارة وخضوع عدد من تلك المؤسسات إلى قانون التجارة ونظام موظفين خاص بها. لذلك، فالتدقيق الجنائي تطيش سهامه إذ يتوجه فقط إلى وزارات المال والطاقة والمياه والزراعة والصناعة والأشغال العامّة والنقل ومصرف لبنان.

بل ويجب أن يلج بشجاعة إلى المؤسسات التابعة وصاية مباشرة أو على صلة ما بالوزارات المعنية. هناك نفقات كبيرة من الموازنة لتلك المؤسسات. وهبات دولية وعربية.

لذلك، نتوجّه إلى رئيس الحكومة المكلّف، لا تستهين بخلفية إصرار هذا الفريق السياسي أو ذاك باسم طائفته على هذه الوزارة أو تلك.

الودائع والخطة الحكومية
أمّا في الشأن المالي والمصرفي ومصرف لبنان، هناك خطة حكومة تصريف الأعمال عالقة بين الأرض وبين السماء. وفيها تقديرات الخسائر ورؤية للتعافي.

التقديرات هي الأكثر واقعية. الرؤية يمكن إدخال بعض التعديلات عليها ربطًا بسيناريوات النمو والدين إلى الناتج التي تتغيّر أرقامها وتقديراتها كل يوم على وقع تراجع سعر الصرف من جهة، وتراجع حجم الناتج إلى مستويات مخيفة في سنة واحدة.

وقد وجدت الخطة قبولًا مبدئيًا من صندوق النقد الدولي والمصرف الدولي ورهط من الخبراء المستقلّين من خارج فريق العمل. جُمّدت الخطة وتاليًا المفاوضات مع صندوق النقد.

هجمة عنيفة خرجت من مجلس النوّاب بقيادة لجنة المال والموازنة مدعومة من مصرف لبنان والمصارف وقوى أخرى. الحكومة الجديدة لديها قاعدة بيانات ورؤية.

فلتبدأ بعد تأليفها والثقة على الفور بتعديل ما تراه ضروريًا والمفاوضات مع الصندوق، قبل أن يفرغ الفريق الإستشاري الذي أسهم في إعداد الخطة من خبرائه.

بعد أكثر من استقالة كان آخرها للخبير طلال فيصل سلمان.

ودائع الناس.

هذا هو عنوان حكومتك مصطفى أديب.

هذا لا يحتاج إلى تدقيق جنائي. إلى حين زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثالثة في كانون الأول 2020، تكون معظم الودائع قد تبخّرت بسعر الصرف.

أي بالأسلوب الدنيء المسكوت عنه حاليًا من الحكم وحكومة تصريف الأعمال وكاد يُنسى بهول صدمة انفجار مرفأ بيروت.

إذا كان ثمن السكوت تراجع قيمة الدين الداخلي بالليرة اللبنانية مقيّمًا بالدولار الأميركي، كلّما تراجع سعر صرف الليرة، والأمر كذلك في الواقع، فهذه لعبة خطرة وخيانة للشعب ولعب على شقائه، تدمّر قوة الأجور ودخول الأسر، وتؤدي إلى الجوع والمرض وتودي بالبلد إلى كارثة اجتماعية.

نعلم أنّ رحلة الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة ستكون معقّدة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. لعلّة في السياسة قبل سياسات حكومته.

يحق لرئيس تيّار “المستقبل” سعد الحريري من ضمن توازن النظام الطائفي دعم مرشح لرئاسة الحكومة.

الحريري سمّى أديب قبل بدء الإستشارات النيابية الملزمة فتساوى مع رئيس الجمهورية ميشال عون في تجاهل الدستور.

لكن ما لا يحقّ للحريري وغيره هو إعلان الدعم لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهو يعلم أنّ هناك تحقيقًا مطلوبًا بقوة في مصرف لبنان ومن صديقه الرئيس الفرنسي.

نرجو ألّا يشكل هذا الموقف معوقًا في وجه التدقيق الجنائي في حال ثبتت مسؤولية سلامة أو غيره. خصوصًا أنّ الحريري لم يتحدّث بصفته رئيس حكومة يدعم مسؤولأ كبيرًا، بل بصفته السياسية.

كثير من السياسيين فعل ذلك أيضًا.

الثقة يا مصطفى أديب.

هذا ما يحتاجه المواطن للتصالح مع الوطن وليس مع السلطة. لا تأبه لما يقال غير ذلك.

حين سيأتي ماكرون في كانون الأول 2020 لاستكمال الكرنفال الفرنسي في مئوية لبنان، يكون الرئيس الأميركي قد انتخب ليبدأ الكرنفال بالأصالة لا بالوكالة.

وبصرف النظر عن عمر حكومتك بعد نهاية السنة، سجّل أنّك فعلت شيئًا للتاريخ باستعادة قليل من الثقة. حسبك أن تعرف كيف تبدأ ومن أين.

المصدر المدن