ولا تزال اللحظات المشؤومة عالقة في ذاكرة المراسلين، رغم مرور اكثر من شهر على إنفجار الرابع من آب/أغسطس 2020.
حسان الرفاعي.. للبحر لون آخر
أثناء تغطية اعتيادية لحسّان الرفاعي، مراسل قناة “الجديد”، لاحتجاجات أمام مبنى وزارة الطاقة في منطقة كورنيش النهر، تصله معلومات عن اندلاع حريق في مرفأ بيروت.
يتجّه الرفاعي برفقة زميله المصوّر في القناة جهاد زهري، إلى منطقة المرفأ فيتراءى لهما الحريق، أمام تمثال المغتربين.
الخوف الأوّل الذي واجهه حسّان تجلّى في الاستغاثة الأولى التي أطلقها بعدما استفاق بعد دقائق ليسأل فيها عن زميله جهاد ليأتي الجواب من أحد المتواجدين في المكان “راح المصوّر”!
يقول حسّان: “شعرت في هذه اللحظات بأنّي طفل صغير، ارتجفت ركبتاي من الخوف، شعرت بأني قد أفقد السيطرة على جسدي بسبب الخوف، جهاد ليس زميلاً فحسب، هو رفيق الساحات والتغطيات، أعرف عائلته كما يعرف عائلتي، هو صديقي”.
غبت عن الوعي واستيقظت وأنا في سيّارة شاب غريب سألته إلى أين يحملني فيجيبني بأنّه لا يعرفني لكنّه يشاهدني على التلفاز ويحبني ونحن في طريقنا للطوارئ.
مضى على حسّان في المهنة ما يقارب الخمس سنوات، تعرّض لإصابات عديدة أثناء تغطيته للاحتجاجات في ساحات بيروت ولإصابة بالرصاص المطّاطي كما تعرّض للضرب من قبل مكافحة الشغب، إلّا أنّه لا يخاف من التغطيات المحفوفة بالخطر لأّن هناك ما يسند عزيمته “ثقته بأبناء بلده”.
وهو ما تجسّد له يوم إصابته في الرابع من آب عندما استفاق في سيّارة الشاب الذي أقلّه للمستشفى.
الجثث التي انتشلت من بحر بيروت بعد الانفجار، غيّرت لون البحر وصورة بيروت التي عهدناها. يجمع تمثال المغتربين حسّان وجهاد للمرة الأولى بعد الانفجار،
يقول الرفاعي: “أحضنه ونبكي، هو الإحساس بمسؤوليتنا تجاه بعضنا البعض، نحن الزملاء في هذه المهنة وهذا الدرب يجمعنا”.
جهاد زهري: ساحة حرب في يوم اعتيادي
هي مهنة المتاعب، احتمال التعرّض للخطر والإصابة أمر وارد في هذه المهنة، لكن في الرابع من آب لم يكن هذا الاحتمال وارداً عند جهاد زهري، المصوّر الصحافي الذي بدأ رحلته في هذه المهنة منذ أكثر من عشرين عاماً.
كان يوماً طبيعياً لجهاد زهري كما يقول.
بالنسبة لجهاد “لا يحق لها” ولكنه يعلم أنها لن تحاسب.
حسين بيضون.. الاستمرار حتمّي
يهبط درج المنزل فينتبه أنّه من دون رفيقة الدرب. يعود لإحضار كاميراته وينزل للشارع. يصف المشهد الأول بـ”الجهنميّ بكل معنى الكلمة”.
يسرد ما هو محفور في ذاكرته من تفاصيل لضياع، هو الجو العام في هكذا لحظات بسبب هول الصدمة يقول: “لقد رأيت سيّدة تمسك بيد كلبتها المغطاة بالدم محاولة التخفيف عنها وبيدها الأخرى سيجارتها المشتعلة وتعابير الصدمة على وجهها”.
دائماً ما يُسأل المصوّر الصحافي لم لا يترك كاميرته ويمد يد العون؟
وعصف من التساؤلات في رأسي: حلم؟ انفجار؟ حريق؟ ما الذي يحدث؟”، في هذه اللحظات عانى المصوّر من صراع مع الوعي كما أنّ تقديم يد العون من غير مختّص قد تؤدي للأذى وتعريض حياة المصابين للموت.
في جعبة حسين 900 صورة سلّم الجريدة 20 صورة منها فقط بعدما عاينها، احتراماً منه لأخلاقيات المهنة في ما يتعلّق بخصوصية الأفراد ومشاعر المشاهد.
يقول بيضون: “أعلم أننّي قد أقبل على مرحلة ينهار فيها جسدي وأنهار معنوياً من هذا الحمل، لكن لا بدّ من إكمال الطريق، عندما أرى الشباب المتطوّع وتكاتف الناس أشعر بأن الخير لم ينته على الرغم من كل ما نمّر به”.
غراسيا انطون.. الدرس الأقسى في المهنة
تقول: “كنت أعلم أنّي في طريقي لتغطية انفجار، إلّا أنّي لم أكن أدرك حجم الدمار الهائل الذي أحدثه والذي عاينته من طريق المتن حتى وصولي لمار مخايل. حاولت أن أخفّف عن نفسي صدمتي في السيّارة كي تكون تغطيتي موضوعية لأنقل المشاهد”.
بالنسبة للصحافيين الجدد على المهنة، تغطية 4 آب هي درس وُلِدَ من فاجعة. تتحدث غراسيا عن الصراع الذي يعيشه المراسل أثناء تغطيته لهكذا أحداث قاسية،
تضيف: “من الصعب أن نقوم بفصل أنفسنا عنهم وعن وجعهم في تلك اللحظات”.
إيمان العبد.. لا مفّر من قسوة التغطية
في اليومين الأولين بعد الانفجار اختارت التوجّه الى مار مخايل والجميزّة كمتطوعة لإزالة الركام وليس كصحافية. فكونها صحافيّة حرّة بإمكانها أن تسمح لنفسها بالهروب من هول الصدمة وتخدير نفسها مبدئياً كي تخوض تجربتها الأولى في تغطية حدث كبير وبهذا الثقل الإنساني المؤلم.
أمام بوابّة المرفأ تقف إيمان مترددة في سؤال أهالي المفقودين الذين توافدوا إلى المكان بانتظار أي خبر يبرد حرّ أفئدتهم، تصف هذه اللحظة “بالقاسية جدًا والمربكة” لا يمكن لها الانسلاخ عن ألمهم ونظرات عيونهم المتألمّة والمتأملّة، لكن مهنتها تفرض عليها الاقتراب.