التهديدات المتزايدة للعيش المشترك

19 سبتمبر 2020
التهديدات المتزايدة للعيش المشترك
رضوان السيد
رضوان السيد

عادت المماحكات إلى مسألة تشكيل الحكومة، وهو الأمر المستمرّ منذ احتلال بيروت من جانب حزب الله عام 2008. فمنذ ذلك الحين، صارت المماحكات تستمر عدة أشهر، وتارةً من أجل تكليف رئيس الحكومة، وفي الغالب تنشب المماحكات والمزايدات بعد التكليف.

وكانت في البداية تتعلّق بالثلث المعطَّل والذي يسمّيه الحزب: الثلث الضامن، والذي استُخدم في إسقاط سعد الحريري في العام 2011. ثم صار المماحكان طرفين: حزب الله والعماد عون، والذي كان مصرّاً منذ العام 2008 وحتى الآن أن تكون حصته كلّ الوزراء المسيحيين.

وبذلك صار هناك جانبان في التقاسم أدّيا إلى سيطرة الحزب وعون وحلفائهما على ثلثي أو ثلاثة أرباع مجلس الوزراء. أما بعد انتخابات العام 2018، فصار منهم كلّ مجلس الوزراء على وجه التقريب.

إنما مع انتخاب الرئيس عون عام 2016، ظهر هناك مرضان بدلاً من مرضٍ واحد.

هناك مسألة السيطرة على الأكثرية في مجلس الوزراء، وهناك استخدام مناسبة الاستشارات الملزِمة لتحديد اسم رئيس الحكومة.

وهنا أراد الرئيس عون دائماً استخدام المناسبة لاستعادة صلاحيات رئاسة الجمهورية من زمان ما قبل دستور الطائف.

وذلك من طريق تأخير الدعوة للاستشارات الملزمة شهراً أو شهرين، خلافاً للدستور، دأب خلالها على استدعاء المرشحين لرئاسة الحكومة وغير المرشحين لاختبار الولاء، وتثبيت أعراف خارج الدستور.

وهو خلال الأسابيع الطويلة كان يفاوض ليس فقط على تسمية الرئيس من وراء ظهور النواب، بل وعلى تشكيلة الحكومة، وحصة صهره وحزبه فيها، وقبل ذلك وبعده حصته هو! وكلّ ذلك بالطبع غير منطقي وغير دستوري، ويتسبّب بأزمةٍ في البلاد وعلى العباد لتوالي الفراغ والتفريغ والإضعاف لرئاسة الحكومة وللسلطة التنفيذية.

ما طالت المدّة هذه المرة، لأنّ الرئيس الفرنسي فرض مواصفات الحكومة الجديدة، وانتزع من الأحزاب السياسية موافقةً عليها.

وسواء أكان مصطفى أديب من ترشيح الرؤساء الأربعة أو الرئيس الفرنسي، فإنه أصرَّ خلال عمله في الأسبوع الأول على التشكيل على الشروط الثلاثة، وهي المواصفات الفرنسية للحكومة الإنقاذية: حكومة اختصاصيين، ومن 14 وزيراً، والمداورة في كلّ الوزارات. وقد تمرّد أولاً الرئيس وطالب بالتشاور مع صهره، كما طالب بحكومة عشرينية.

وما طال تمرّده العلني لأنّ العقوبات تهدّدت صهره فتظاهرا بالخضوع، واعتمدا على الزعيم المعصوم الذي كان قد أخرج من كمّه عدة أرانب، الأرنب الأول التظاهر بالترحيب بالمبادرة الفرنسية في مقابل التعويم، وعدم ذكر سلاح الحزب، وعدم التوجّه نحوه في تحقيقات كارثة المرفأ.

ثم طلب منه الإيرانيون إخراج الأرنب الآخر: إسماعيل هنية، للتوتير، والتذكير بأنه ما يزال يمكن له الإضرار بإسرائيل، وبأنه هو وإيران رغم مقتل قاسم سليماني ما يزالان يمتلكان الراية الفلسطينية.

ثم لمّا وجد الإيرانيون أنه ليس من صالحهم التنازل قبل الانتخابات الأميركية، أخرجوا الأرنب الثالث: هم الذين يحدّدون الوزراء الشيعة، ووزارة المالية ينبغي أن تبقى معهم، رغم فسادها الذي يُضاهي فساد الكهرباء، والذي من أجله فُرضت العقوبات على وزير المالية السابق علي حسن خليل!

رئيس الجمهورية انتهز فرصة “غضب” الزعيم المعصوم لمخالفة الدستور من جديد (!)، فدعا الأحزاب السياسية لاستخراج رأيها في الشروط التي فرضها الفرنسيون في التشكيل ونفّذها لهم الرئيس المكلَّف مصطفى أديب.

وييدو أنها تتناغم مع رغبة الجمهور اللبناني الذي أسقطت ثورته حكومة سعد الحريري الثانية في هذا العهد، وأسقطت كارثة المرفأ في 4 آب حكومة العهد الثالثة.

والاتهام دائماً بالمحاصصة والفساد وعدم الكفاءة! ولا ندري ماذا قالت الأحزاب السياسية التي صوّتت لمصطفى أديب في التكليف بشأن الشروط. القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي وهما لم يحضرا المشاورات قالا إنهما موافقان على المبادرة الفرنسية، وطريقة أديب في التشكيل.

وما غاب السُّنة ( ميقاتي وتيار المستقبل) عنها رغم مخالفة الدستور، بزعم أنهم يضحُّون دائماً في سبيل البلاد، مع أنّ ما فعلوه هو ضد مصلحة البلاد، وكان بوسعهم التصرّف مثل القوات والاشتراكي!

لا ندري ماذا يكون مصير المبادرة الفرنسية، والتشكيل الحكومي في الأيام القليلة القادمة.

فالمراوحة مثل الحكومات السابقة غير مفيد، والبلاد محتاجة لحكومة قادرة وفاعلة بأسرع وقتٍ ممكن.

إنّ المهمَّ الآن تجديد الحديث في الموضوعات المصيرية، وهي تقترن بالموضوعات العاجلة في وقف الانهيار الاقتصادي، وإعادة إعمار المرفأ وبيروت، والانتخابات النيابية المبكرة، واستعادة العلاقة بالعالم.

أما الموضوعات المصيرية التي نقصدها، فهي العيش المشترك، والدستور، وحكم القانون، واستعادة الشرعيات الوطنية والعربية والدولية.

لقد أفقد سلاح الحزب المعصوم، وعهد الفساد، لبنان معظم ميزاته. ما عاد عندنا مستشفى، ولا جامعة، ولا مدرسة، ولا مصرف مثل الناس.

وهو الأمر الذي حدث لكلّ البلدان العربية التي تدخلت فيها إيران مثل العراق وسورية واليمن.

وزاد الطين بلّةً في لبنان، أنه ليس الحزب وحده، بل رئيس الجمهورية المفروض أنه حامي الدستور، يصرّح منذ ثلاثين عاماً أنه يريد تعديل الدستور أو تغييره.

وآخر تلك التصريحات كانت من جانبه بمناسبة مرور مائة عام على قيام الدولة اللبنانية.

أما الحزب المعصوم فهو ضدّ الطائف من زمان، وساعة لأنه ضدّ الدستور وهو يريد مؤتمراً تأسيسياً من جديد، وساعة لأنه يريد دولة مدنية، وساعة كما الآن أنه يريد أن تبقى معه وزارة المالية ليملك التوقيع الثالث إلى جانب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

وهو بذلك لا يخرج مثل رئيس الجمهورية على الدستور فقط، بل هو يخرج أيضاً ومن زمان على قرارات الشرعية الدولية، وعلى حكم القانون، وعلى نظام عيش اللبنانيين واستقرارهم.

فهو يقتل في الداخل، ويتدخل في سورية والعراق واليمن، وهو يزجّ البلاد في المحور الإيراني ضد المصلحة اللبنانية. القرار الدولي رقم 1559 يمنع السلاح الميليشياوي بالداخل اللبناني.

والقرار 1701 يمنع وجود سلاح بالجنوب غير سلاح الجيش والقوات الدولية.

وهو يسيطر على المرفأ والمطار والمعابر مع سورية، ويستخدم ذلك كله في عمليات الفساد.

بسبب الحزب والعهد إذن ما عاد لبنان على قائمة الدول المتمدّنة والتي تسهم في ترقية شعبها، وفي عرض نموذج جذّاب للعرب والعالم.

ما عادت عندنا غير ميزةٍ واحدةٍ وعظيمة، هي نعمة العيش المشترك التي تأسّس عليها الاجتماع اللبناني والدستور وسمعة لبنان في العالم. وعندما تصبح كلّ المرافق مهدّدة أو مدمرة، والحكومات مستحيلة التشكيل يجري الحديث عن أزمة النظام.

والنظام ليس مأزوماً، بل صانعو الأزمة هم حزب السلاح، وهم العهد الفاسد: حزب الميلشيا، وعهد المافيا.

وهذان الطرفان المسيطران يتعمّدان ضرب النظام، ويفرضان التأخر ويُخلاّن بالعيش المشترك، بحيث يخضع اللبنانيون أو يهاجرون وكلا الاحتمالين مدمِّرٌ للبنان.

ولذلك، فإلى جانب الاهتمام بحكومةٍ عاجلةٍ للإنقاذ، لا بدّ من الانصراف للاهتمام بالعيش المشترك الذي تأسس عليه لبنان.

ومن مقتضياته، نصرة الدستور، وحكم القانون، ومكافحة السلاح غير الشرعي، وفرط مافيا الفساد وتحالف الأقليات بالإضراب عن الشراكة السياسية مع حزب السلاح، ودفع العهد ورئيسه للاستقالة، حفظاً للدستور، وحفاظاً على العيش المشترك.

المصدر أساس