هكذا فَضَحَت وزارة الصحة نفسها: تقصير استشفائي ودوائي
يَنشَط وزير الصحة حمد حسن في تعويم دور وزارة الصحّة على مستوى عام، وإثبات تمايزه عن نظرائه، على مستوى خاص.
ولم يكن ليلعب هذا الدور لولا انتشار فيروس كورونا وزيادة الأزمة الاقتصادية والنقدية الخناق على المواطنين، لجهة مساهمتها في شحّ الدواء من السوق عبر تحفيز التجّار والمستوردين لتخزين الدواء أو تهريبه بهدف تحقيق أرباح خيالية. لكن رغم ذلك، لم يستطع الوزير طمس الاخفاقات على صعيد ملف المستشفيات والدواء، ففضح تقصيره وتقصير وزارته.
رغم وضوحها، فإن مطالب المستشفيات الحكومية بكافة جوانبها المتعلّقة بمستحقاتها المالية كمؤسسات تابعة للدولة، ومستحقات موظفيها، وكذلك بالتجهيزات والأدوية والمستلزمات الطبية… وغير ذلك، تحوّلت بالنسبة إلى وزارة الصحة، أدوات يمكن استعمالها لاستمالة الجمهور وأصحاب الحقوق وإغداق المزيد من الوعود، وتالياً تلميع صورة الوزارة وحاملي حقيبتها.
لم يبتعد حسن عن نظرائه في إطلاق وعود دعم المستشفيات الحكومية وتلبية متطلّباتها. وهذا الموقف بالتحديد، هو ما يفضح مَن جَلَسَ على كرسيّ الوزارة.
ولعلّ نصيب حسن من الفضيحة أكبر، لأنّ وعوده تتكرّر في زمنٍ فيروسي واقتصادي لا يحتمل الوعود والتضليل. فهو العارف تماماً أن لا أمل بتعديل الاعوجاج داخل الوزارة وداخل المنظومة.
عيّنات قليلة وسريعة عن تقاعس الوزارة، تكشف زيف ادّعاء المساعدة.
فوزارة الصحة على سبيل المثال، لم توقّع عقودها السنوية مع المستشفيات الحكومية منذ شهر شباط الماضي، ما يحرم المستشفيات من قبض مستحقاتها من وزارة المالية عن كل الفواتير التي صرفتها المستشفيات، بما فيها أكلاف علاج المرضى، سواء المرضى “العاديين” أو مرضى كورونا.
وبالتوازي، لم ترَ المستشفيات الحكومية شيئاً من حقوقها التي تضمنتها عقود المصالحة التي تعود إلى نحو ستة أعوام، وقيمتها نحو 100 مليار ليرة، وفي المقابل، أفرجت الحكومة عن 350 مليار ليرة للمستشفيات الخاصة. وهذا حقّها، لكن على الدولة أن تدفع حقوق المستشفيات الحكومية. وتالياً، للمستشفيات الحكومية حقوق على الدولة، لم تُدفَع لها. وهي متأتّية من قرض البنك الدولي المتعلّق بدعم المستشفيات الحكومية لمواجهة فيروس كورونا.
نقص حاد
تعمل المستشفيات الحكومية بكامل طاقتها فيما رقبتها تحت المقصلة وتواجه خطر توقّف المورّدين عن تسليمها المعدّات، بسبب النقص المالي.
وذلك أيضاً يضع موظّفيها أمام أزمة اجتماعية وصحيّة، بفعل عدم دفع مستحقاتهم، فالمستشفيات ليست فقط مبنى حجرياً، وإنما أطقم طبية وموظفين وعاملين يعرّضون أنفسهم لخطر الاصابة بفيروس كورونا، وسط النقص الحاد في معدّات الحماية الشخصية، ومنها الصابون والكمامات وسوائل التعقيم.
ولهذا السبب، ترتفع أعداد إصابة موظفي المستشفيات بالفيروس.
إلى جانب نقص المعدات والمستلزمات، تواجه المستشفيات الحكومية فساداً يتعلّق “بعقود الشراء التي تبرمها”، بحسب ما تؤكّده مصادر في مستشفى بيروت الحكومي، والتي تشير في حديث لـ”المدن”، إلى وجود “شكوك حول أسعار الإبر والمواد الطبية التي تختلف أسعارها بين مستشفى وأخرى”.
لا يقتصر النقص الذي تعانيه المستشفيات على المعدات والمستلزمات، بل يتعدّى إلى النقص في جديّة العمل الإداري. حيث تواجه المستشفيات “ممارسات اعتباطية من قِبَل المدراء العامين ورؤوساء مجالي الإدارات، الذين يتصرّفون باعتباطية وبشكل مخالف للقانون.
وهو ما يؤثّر سلباً على عمل المستشفيات، ويساهم في عدم تحريك ملف مستحقات المستشفيات ومطالب موظفيها”.
إستعراضات دوائية
إلتصقت صورة المداهمات والتحقيقات باسم وزارة الصحة منذ حملة مكافحة الفساد الغذائي، التي لم تفضِ إلى أي نتيجة تُذكَر. وهو حال عهد حسن الذي يهوى الشعبوية والرقص على أكتاف الجماهير، فَرَحاً بإنجازات وهمية.
هي وهمية حتّى وإن بدا للعيان إقفال صيدلية هنا أو مستودع أدوية هناك. فبعد إطفاء الكاميرات، لا أحد يضمن إذابة الشمع الأحمر وفتح الأبواب المغلقة.
ناهيك عن الأبواب التي لا تُقفَل نهائياً، بحُكم الاتصالات السياسية. إذ تؤكّد مصادر صيدلانية في حديث لـ”المدن”، على أن “جولات الوزير التي تتّخذ طابعاً بوليسياً، نظراً للمداهمات العشوائية، لم تقوَ على إقفال الكثير من الصيدليات المخالفة، والتي تحتكر فعلاً الدواء، وتساهم بتهريبه، وذلك نتيجة الحماية السياسية”.
كما أن الوزير “يقوم بمداهمة صيدليات تعمل منذ نحو 25 عاماً من دون تسجيل أي شكوى عليها، فيأتي الوزير ليقرر إقفال الصيدليات ببضع دقائق، ليست كافية للسؤال عن إسم الصيدلاني، فكيف بالحُكم على تطبيقها القانون أو مخالفته”.
وحسب المصادر، “كان الأولى على الوزير استدعاء الصيدلاني الذي يشكّ بمخالفته القانون، وعرضه أمام محاكمة عادلة، وإصدار الحكم عليه وعلى صيدليّته.
فعملية ختم الصيدليات بالشمع الأحمر، من دون التأكد من الادّعاءات، يضرّ بصاحب الصيدلية وبالقطاع الصيدلي ككل. وللمفارقة، لا يلقى الصيدلاني بعد إعادة فتح الصيدلية، التغطية الإعلامية نفسها التي رافقت إغلاقها ظلماً.
وكذلك لا يبادر الوزير إلى زيارة الصيدلية لتأكيد سوء التفاهم والتراجع عن قرار الاقفال”.
الاستعراضات لا تعني غياب التجاوزات من قِبَل بعض الصيادلة والتجّار، لكن “هذه الأمر لا يبرر الاستعراضات أيضاً”. لذلك، هناك جهد لا تبذله وزارة الصحة لناحية “اعتماد معايير واجراءات فعلية للقيام بعملها على أكمل وجه”.
أجهزة رقابية
لا يكتمل عمل وزارة الصحة ما لم تُحرِّك هي الأجهزة الرقابية كالتفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة، “وهي كلها أجهزة معطّلة بقرار سياسي، للمساهمة في ضرب المستشفيات الحكومية”.
هو نفسه القرار الذي يعطّل إحياء المختبر المركزي ومركز المعلوماتية الدوائية الذي تأسس في العام 1989، وتم تجهيزه بمكننة هي الأولى في الدول العربية، تحت اشراف منظمة الصحة العالمية.
وهو نفسه الذي يمنع تطوير الصناعة الدوائية.