عون بين 1990 و2020: الخيارات المدمّرة نفسها

26 نوفمبر 2020
عون بين 1990 و2020: الخيارات المدمّرة نفسها
خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

سيعاني لبنان كثيراً في السنتين الباقيتين من عهد الرئيس ميشال عون. ما يثير القلق، على وجه الخصوص، غياب أيّ وعي أو إدراك لدى رئيس الجمهورية والمحيطين به لخطورة ما يعاني منه البلد ومدى عزلته.

لو توافر حدّ أدنى من الوعي والإدراك، لكان ميشال عون قدّم استقالته واعتذر من اللبنانيين. لكان قال لهم صراحة إنّه ليس رجل المرحلة التي تحتاج أوّل ما تحتاج إلى رئيس للجمهورية يستطيع أن يكون بالفعل حكماً بين اللبنانيين قبل أيّ شيء آخر.

كان يفترض بميشال عون الاعتذار والاستقالة منذ فترة طويلة بسبب العجز عن استيعاب ما يدور في البلد والمنطقة والعالم من جهة، وعدم تقديره لما يمكن أن يترتّب على تمكين “حزب الله” من اختيار من سيكون رئيس الجمهورية اللبنانية، (الماروني) من جهة أخرى. هزّة واحدة من مجموعة الهزّات التي تعرّض لها لبنان كانت تفرض استقالة رئيس الجمهورية.

انهيار النظام المصرفي سبب أكثر من كافٍ للخروج من قصر بعبدا، في حين أنّ تفجير مرفأ بيروت كان كارثة تحتّم قبل أيّ شيء آخر امتلاك ما يكفي من الشجاعة للقول إنّ البلد في حاجة إلى سياسيين حقيقيين يتحمّلون مسؤولية أفعالهم وتقصيرهم.

ما يبدو مخيفاً أكثر من أيّ شيء آخر يتمثّل في ذلك العجز عن تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري على الرغم من الظروف العصيبة التي يمرّ فيها البلد، وهي من النوع الذي لا سابق له منذ قرن كامل، أي منذ الإعلان عن قيام لبنان الكبير.

يكشف هذا العجز أنّ لبنان لا يعاني من أزمة نظام لم يعد قادراً على إنتاج حكومة فاعلة فقط. بل يعاني، قبل أيّ شيء آخر، من أزمة وجودية.

في موازاة العجز عن تشكيل حكومة، لم يعد هناك ما يضمن إجراء انتخابات نيابية في المستقبل. لنفترض أنّه أجريت انتخابات بعد عامين، ما القانون الذي سيعتمد في هذه الحال؟ هل سيعتمد القانون الحالي الذي فُصِّلَ على مقاس “حزب الله”، أي القانون الذي سمح لقاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، بالقول بُعيد انتخابات أيّار 2018 إنّ ايران صارت تمتلك أكثرية في مجلس النوّاب اللبناني؟ لنخرج من موضوع الانتخابات النيابية، يبدو مطروحاً أكثر من أيّ وقت: هل ميشال عون آخر رئيس للجمهورية في لبنان؟


لو توافر حدّ أدنى من الوعي والإدراك، لكان ميشال عون قدّم استقالته واعتذر من اللبنانيين. لكان قال لهم صراحة إنّه ليس رجل المرحلة التي تحتاج أوّل ما تحتاج إلى رئيس للجمهورية يستطيع أن يكون بالفعل حكماً بين اللبنانيين قبل أيّ شيء آخر


ما يدعو إلى التشاؤم أنّ لبنان وجد، بعد خروج ميشال عون من قصر بعبدا في الثالث عشر من تشرين الأوّل 1990، من يلملم جروحه ومؤسساته ومن يعيد بناء بيروت. كان هناك تضامن عربي واسع مع لبنان.

كانت هناك رعاية دولية للبلد.

بين أيلول 1988 وتشرين الأوّل 1990، دمّر ميشال عون كلّ ما يستطيع تدميره وهجّر أكبر عدد ممكن من المسيحيين من لبنان.

خاض كلّ أنواع المعارك التي لا منطق ولا أفق  لها مع الشركاء المسلمين في الوطن ومع “القوّات اللبنانية”. نقل الجبهة إلى القليعات في كسروان وإلى الضبيّة قرب بيروت…

تكمن مشكلة اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم من الذين لا يمتلكون أيّ ذاكرة من أيّ نوع، إنّهم نسوا ما تسبّب به ميشال عون في تلك المرحلة.

نسوا أنّه راهن على صدّام حسين معتقداً أنّه سينتصر على حافظ الأسد، وأنّه لن يكون هناك ضوء أخضر أميركي وإسرائيلي يسمح لسلاح الجوّ السوري بقصف قصر بعبدا.

يروي زميل وصديق، كان يعمل مع “وكالة الصحافة الفرنسية” (AFP) في بيروت إنّ اتصالاً حصل بينه وبين ميشال عون مساء 12 تشرين الأوّل، وأنّه أبلغ الأخير أنّ القرار اتخذ بإخراجه من قصر بعبدا، وأنّ سلاح الجو السوري سيقصف القصر.

كان ردّ عون أنّه يستبعد ذلك نظراً إلى أنّ موفداً له سيلتقي غازي كنعان في عنجر يوم 13 تشرين الأوّل.

حاول الصحافي اللبناني، بحضور مدير مكتب الوكالة في بيروت، وهو فرنسي، إقناعه بأنّ معلوماته أكيدة ومصدرها موثوق به، لكنّه لم يفلح في ذلك. ما تكشفه هذه الواقعة أنّ ميشال عون كان يقاتل “القوات اللبنانية” و”القوّات” تقاتله، بدبابات تقاسمها الجانبان بعد وصولها من العراق، وكان يفاوض في الوقت ذاته دمشق!

ما تغيّر بين 1990 و2020 أن ليس هناك حالياً من سيلتقط لبنان الذي سيبدو أنّ عليه دفع فواتير غالية الثمن غير قادر على تسديدها نتيجة التسوية الرئاسية التي جاءت بميشال عون إلى قصر بعبدا في العام 2016. لعلّ أسوأ ما في الأمر أنّ أهل الخليج نفضوا يدهم من لبنان. لم يعد لبنان يعني لهم شيئاً باستثناء انّه قاعدة إيرانية متقدّمة على البحر المتوسط.


تكمن مشكلة اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم من الذين لا يمتلكون أيّ ذاكرة من أيّ نوع، إنّهم نسوا ما تسبّب به ميشال عون في تلك المرحلة


على ماذا يراهن العهد حالياً؟ هل رهانه على انتصارات سيحقّقها “حزب الله” ومن خلفه إيران، وعلى استسلام الإدارة الأميركية الجديدة أمام “الجمهورية الإسلامية” وتلاوتها فعل الندامة على تصفية قاسم سليماني وعقدها صفقةً معها انطلاقاً من إعادة الحياة إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني؟

قد يكون السؤال الأهمّ: هل رهانات 2020 لميشال عون وصهره جبران باسيل، الذي لم يدرك بعد خطورة العقوبات الأميركية التي فرضت عليه، ستكون أفضل من رهانات 1990؟ الجواب بكلّ بساطة أنّها لا يمكن أن تكون أفضل، لا لشيء سوى لأن ما على المحكّ مصير لبنان الذي يفوّت حالياً على نفسه فرصة قد تكون الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عبر تشكيل حكومة اختصاصيين.

يبدو النجاح في التقاط مثل هذه الفرصة من نوع المستحيل. معنى ذلك بكل بساطة أنّ الانهيار الحاصل مستمرّ، وهو انهيار لا يوجد، إلى إشعار آخر، من يريد إيقافه عند حدود معيّنة.

المصدر أساس