إلى سعد الحريري: ضرورة الثبات

21 ديسمبر 2020
إلى سعد الحريري: ضرورة الثبات
رضوان السيد
رضوان السيد

ولا مرّة، ومن رياض الصلح إلى رفيق الحريري، ثار رئيس وزراء سنّي من أجل مشروعٍ خاصّ شخصي أو طائفي. ولننظر أوّلاً في الوقائع من 17 تشرين الأّول عام 2019 وحتّى اليوم. فالأحداث جسامٌ وشديدة الهول على المواطنين والوطن. والاتهامات للطبقة السياسية على قفا من يشيل، كما في المَثَل اللبناني: فهل التفت أو اهتم أحدٌ معتبرٌ من الطبقة السياسية الخالدة؟ هناك بالطبع استقالة ثمانية نواب، إنّما بالمقابل هناك استقالة رئيسين للحكومة هما سعد الحريري وحسّان دياب، واعتذار مصطفى أديب. والآن وسعد الحريري رئيسٌ مكلَّفٌ للمرّة الرابعة، ماذا يقول؟ يقول إنّه يريد تشكيل حكومة قادرة على وقف الانهيار، وإعادة إعمار بيروت ومرفئها. هل في ذلك عيبٌ أو خطيئةٌ أو خطأ؟ بل وهناك اعتقاد أنّ مواصفات الحكومة التي يعتزم الحريري تشكيلها تحت عنوان المبادرة الفرنسية، هي ربما الإمكانية الوحيدة للنهوض بهذه المهمة شبه المستحيلة.

هناك بالطبع سياسيون عديدون يشكّكون في إمكان ذلك. ولن أذكر بالطبع الفريق العوني المعروف التاريخ والوسائل والأهداف. ولا حاجة إلى ذكر وقائع اعتراضه بالتفصيل، لأنّها معروفة وغير مقدَّرة من جانب أحدٍ من المواطنين العقلاء والراشدين. لذلك سأتحدّث عن الجدّيين من المعترضين أو المشكّكين أو من أعتبرهم كذلك. هناك من يشكّك بالنظر لتاريخ الرئيس سعد الحريري في تشكيل الحكومات، وفي سياسات تلك الحكومات، وبخاصةٍ حكومتاه في عهد الرئيس عون. فقد حمل على عاتقه أعباء التسوية الشهيرة، وأعباء إدارتها. والذين ظلُّوا يعذرونه في إجراء التسوية لسببٍ أو لآخر مثل الخوف من الفراغ الدستوري، والمخاطر على البلاد والعباد؛ ما عذروه حتى اليوم في سوء إدارته لتلك التسوية المشؤومة، وما جرّته على البلاد والدستور وحياة المواطنين. والحالة الحاضرة للوطن هي من الحصاد المُرّ لتلك الإدارة، إن لم تكن ناجمةً عن التسوية ذاتها. فالذين يدينونه، من الذين يسمُّون أنفسهم ثواراً، يعتبرونه جزءًا رئيسياً من الطبقة السياسية المعروفة والمُدانة والتي حضرت في كل شيءٍ مشؤوم، بالموافقة أو بالسكوت، إن لم يكن بالمشاركة. أما الذين يحفظون له استقالته في مطالع ثورة تشرين، فيذكرون عنه افتقاده للصلابة رغم حُسْن نواياه.


هناك من يشكّك بالنظر لتاريخ الرئيس سعد الحريري في تشكيل الحكومات، وفي سياسات تلك الحكومات، وبخاصةٍ حكومتاه في عهد الرئيس عون. فقد حمل على عاتقه أعباء التسوية الشهيرة، وأعباء إدارتها


وهناك فئةٌ أُخرى من المشكّكين أريد أن أعتبرهم جدّيين أيضاً، وهم الذين فاجأتْهم زيارته لحسّان دياب بعد أن رفض استدعاء القاضي العدلي له، بحجة أن سعداً تصرّف طائفياً، وأراد بذلك استعطاف السُنّة، والحظوة بتعاطُفهم بعد أن خيّب آمالهم في مراتٍ كثيرة في السنوات الأخيرة. السُنّة جميعاً تقريباً ما اعتبروا حسان دياب ممثلاً شرعياً لهم، وفي طليعة السُنّة الرؤساء الأربعة السابقون للحكومة. فما الذي عدا مما بدا لكي يرضى سعد الحريري عنه إلى هذا الحدّ لو لم تكن مقاصده طائفية؟

بالنسبة لي أنا أرى أنّه بالغ بعض الشيء، وكان بوسعه أن يفعل كما فعل الرؤساء السُنّة الآخرون: الاكتفاء بتلفون تأييدي مثلاً! بيد أنّ المبالغة في نظري لا تمسُّ أساس الموقف. فرئاسة الحكومة، حسب النظام اللبناني، وإن شاغلها سنّي، هي في النهاية السلطة التنفيذية في البلاد. وإذا كان لا بدّ من مسؤولٍ أو مسؤولين عن جريمة المرفأ وبيروت فحسّان دياب آخِرهم ولا شكّ. وقد سبق له أن استزار القاضي العدلي وأخبره بما يعرف عن الموضوع، وماذا فعل؟ وأنا أرى أنه كان عليه أن يفعل أكثر بعد أن علم، مثل أن يكلّم رئيس الجمهورية العارف هو أيضاً، أو يطلب منه دعوة المجلس الأعلى للدفاع مثلاً.

الواضح أنّه ما قدّر الأمر حقّ قدره لعدم الخبرة، وأنّ رئيس الجمهورية أكثر مسؤوليةً بكثير، وبخاصةٍ أنه قائدٌ سابقٌ للجيش، والعاملون بالمرفأ من عسكريين وأمنيين وإداريين، كلهم يعملون عنده، بل وهو في الغالب الذي وظفهم في مغارة علي بابا تلك! لكن كلُّ هذه الأمور تفاصيل. المهم أنّ دياب هو بالمصادفة أو بالتخطيط من جانب رئيس الجمهورية وزعيم الحزب، هو رأس السلطة التنفيذية، والتعامُل معه بهذه الطريقة وبحكم المنصب الذي تولاّه عند أصحاب الأمر والنهي ليس استخفافاً بشخصه الكريم، بل هو استخفافٌ بالمنصب الذي تولاّه بالمصادفة أو بالتخطيط. ولذلك ليس من حقّ القاضي ولا من حقّ الرئيس التجرؤ إلى هذا الحدّ. وقد تكاثرت السوابق لهذا الاستخفاف أو العشوائية المقصودة، بحيث يصبح من حقّ السنّة وحقّ كل العقلاء أن يعتبروا الأمر استهدافاً.


هناك فئةٌ أُخرى من المشكّكين، وهم الذين فاجأتْهم زيارته لحسّان دياب بعد أن رفض استدعاء القاضي العدلي له، بحجة أن سعداً تصرّف طائفياً، وأراد بذلك استعطاف السُنّة


قال لي عاقلٌ كبير غير سنيّ: “أنتم السنّة أوادم”.! ولأنّني تظاهرتُ بعدم الفهم، أضاف: “أنتم مستضعَفون!”. وقد ذكر الزميل نديم قطيش في مقالة له بموقع “أساس”، آخر الشواهد والشهداء المطرب فضل شاكر، والناشطة كيندا الخطيب. وكلّ متابع يستطيع ذكر مئات الأمثلة منذ العام 2015 فقط!

والخلاصة أنّ سعد الحريري في دعمه لموقف حسّان دياب ما تصرّف طائفياً، وبخاصةٍ أنّه رئيس حكومةٍ سابق ولاحق، وما حصل لحسان دياب قد يحصل معه ومع رؤساء الحكومة الآخرين، وليس لأنّهم مذنبون، بل لأنّهم ليسوا أتباعاً لأولي الأمر والنهي أو لتخويفهم وابتزازهم. وبخاصة أنّ رئيس الجمهورية الجنرال مستقتل في نفي المسؤولية عن نفسه، ومستقتل لكي يبدو في صورة من يكافح الفساد: أَوَلم يرسل حاكم المصرف المركزي لعند غادة عون؟ وأَلَم يرسل قائد الجيش السابق وضباطه لا أعرف إلى مَنْ؟ لننتظر قليلاً لنرى ماذا سيجري على رئيس أمن الدولة، وما الحكم على بدري ضاهر، وقبل ذلك وبعده: أين هو من جبران باسيل شيخ الطهر والنظافة والنزاهة؟!

ولنعد إلى سعد الحريري: كل الناس يعرفونك جيداً بأخطائك وخطاياك والميزات الباقية (وأهمها استقالتك بعد الثورة). والأوضاع شديدة السوء، وقد لا تتمكن من تشكيل الحكومة أو تشكلها ولا تنجح، وكل ذلك وسط الظروف التي يعرفها الجميع، غير مهم. المهمُّ الثبات على الموقف من تشكيل الحكومة، ومن مواصفات التشكيل. إعمل هذه المرة عملاً  لا تندم عليه، وإذا كانت نتيجة ذلك رضا الطائفة السنية عليك، فلماذا لا؟ فكثيراً ما خيبتَهم بل وخيبتَ وطنيين كثيرين. ولو كنتُ مكانك ولن أكون، لضربتُ عُرض الحائط ليس بكل معايير جبران فقط، بل وبمعايير الطائفيين الآخرين. الحكومة لن تتشكّل فلماذا لا تأتم بمصطفى أديب الذي تجاهل الثُنائي والثلاثي والرباعي والخماسي.. إلى آخر الأعداد التي تقطع الأنفاس!

هل تعرف ماذا تفعل بصمودكَ هذا؟ أنت تتمرّد على نتائج غزو بيروت عام 2008 ومؤتمر الدوحة. تتمرّد على الثلث المعطِّل، وعلى حصّة رئيس الجمهورية، وعلى تصنيف الوزارات بحسب الطوائف الكبرى والصغرى، وعلى تسجيل وزارات للطوائف! أنت تعود للدستور وإن متأخّراً. فاجعل “كتاب” فؤاد شهاب نُصْب عينيك. ورحم الله صائب سلام الذي قال: “لبنان واحد لا لبنانان”. ورحم الله رفيق الحريري الذي قال: “ما في حدا أكبر من بلده!“.

هل تعرف معنى أهل السُنّة؟ بالطبع تعرف وأذكّرك. أهل السُنّة بالمعنى الديني هم الذين ناضلوا عبر التاريخ للبقاء على سُنّة الرسول وسيرته وأحياناً بالنصوص والحروف. أما في السياسة وفي حالتك فهم الأُمناء على الدستور والدولة. هم على هذا ” التقليد ” المحافظ، ونريدك أن تثبت اليوم وغداً وتُناضل للاعتراف بك من جانب أهل التقليدTradition ، وأنا أضمن لك دعم كل السُنّة والوطنيين اللبنانيين، ولو لم يبقَ لهم منصب واحد في الدولة. المشكلة أنّه لم يعد هناك مشروع  للدولة هذه الأيام، فانصرف الناس، ومنهم السنّيون، للسؤال عن المناصب!

ما عرفت الدولة اللبنانية رئيساً للحكومة كان طائفياً أو صاحب مشروع خاص، فانضمّ إلى هذه الكوكبة من الرجال الكبار، واغسِلْ عن نفسك وتاريخك أوضار عصابة تحالف الأقليات، وتجاهُل الفساد من أجل الإرضاء، ومخالفة الدستور بداعي تسليمك بحق المسيحيين في استعادة حقوقهم! لا تحسبْ حساباً إلاّ لوثيقة الوفاق الوطني والدستور!

جاءت اليقظة بعد طول سُباتٍ ومعاناةٍ وكوابيس. فلتكن صحوةً لا تنقضي إلاّ بخلاص لبنان!

المصدر أساس