في مقابلة تتّسم بالتقشّف التقنيّ، وبغياب كلّ أنواع الأسئلة المحرجة، وتحوّلها إلى سباق بين السائل والمجيب في المزايدة واستباق المواقف، أعلن أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله على قناة الميادين أنّ استهداف قادة حزبه “هدف إسرائيلي أميركي سعودي مشترك”، وأنّ معطياته تفيد بأنّ “السعودية تحرّض على اغتيالي منذ وقت طويل وبالحد الأدنى منذ الحرب على اليمن”.
وأوضح “معطياتنا تقول إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طرح خلال زيارته الى واشنطن مسألة اغتيالي، والأميركيون وافقوا على طلب سعودي باغتيالي على ان تنفذه إسرائيل”، معتبراً أنّ “السعودية خصوصاً في السنوات الاخيرة لا تتصرف بعقل بل بحقد”.
ماذا يريد نصرالله أن يقول للرأي العام من كلامه هذا؟
هو على الأرجح يريد تصوير نفسه في وضعية الضحية المستهدفة التي يجب التعاطف معها، باعتباره معرّضاً للاستهداف والقتل، لكن هل يمكن أن ينجح في تحقيق هذا الهدف، بعد أن أرفق حديثه بالإطناب في الاحتفاء بانتصارات إيران في المنطقة، المبنية على الأشلاء والدماء والتدمير؟
لعلّ أقسى ما في مقاربة نصرالله هو ذلك التقديس لأعمال قائد قوّة القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ولمسيرة حزبه التي مشاها على خطاه من قتلٍ وإرهابٍ وتدمير، في سوريا والعراق واليمن، والتي نراها ممتدّة عبر شبكات الممنوعات في عواصم العالم.. ذلك التقديس الذي يجعل من ذبح الأطفال إنجازاً ومن إرهاب الآمنين جهاداً ومن تهجير المدنيين المسالمين نصراً متجدّداً…
تكشف محاولة تقديسُ سليماني وكذلك تقديس قتلة رفيق الحريري والاحتفاء الدائم برموز لهم باع طويل في العنف، حجم الهوّة التي تفصل بين أتباع الولي الفقيه وبين سائر الناس الذين يعيشون حياة طبيعية.
فعلى الرغم من أنّهم يحملون قيماً وعقائد مختلفة، إلا أنّهم لا يذهبون مذاهب هؤلاء الأتباع في الإيغال بالدماء واستباحة كلّ شيء لتحقيق أهدافهم. لذلك كان تكرار نصرالله الحديث عن القيم الأخلاقية مثار استغراب، خصوصاً لدى ربط تلك القيم بشخص قاسم سليماني المسؤول عن مآسي مئات الآلاف من البشر الذين لا يرى نصرالله أنّهم يستحقون الحياة، ويعتبر إبادتهم أو تهجيرهم نصراً مؤزراً.
أما المسألة التي انزلق إليها نصرالله بدون انتباه، فهي قوله إنّهم “يتقنون اللّطمَ ولا يجيدون الاحتفال بالنصر”.
وفي الواقع فإن هذه العبارة هي مرادفة لجملة أدقّ وأعمق في التاريخ والسياسة، وهي أنّ قيادات الشيعة الحاليين بشكل عام يتقنون المعارضة لكنّهم لا يجيدون الحكم.
ولهذا نرى هذا الحجم الهائل من الخراب حيثما حلّ أتباع الولي الفقيه، وكأنّهم والخراب توأمان لا يفترقان، ونظرةٌ على سوريا والعراق واليمن، تكفي لتثبيت هذه المعادلة، ليس فقط في الجانب العسكري والميداني، بل بعد السيطرة والاستيلاء على السلطة.
فبعد إسقاط صدام حسين ودخول أتباع إيران على الدبابة الأميركية في العراق وانخراطهم في العملية السياسية تحت الاحتلال، استولى هؤلاء على السلطة في العراق، فكانت النتيجة أعلى معدلات الفساد، وتفسّخ الدولة وتهشيم النسيج الاجتماعي.
وبات العراقيون في أدنى مستويات المعيشة العالم، ولحق لبنان بالعراق سريعاً منذ سيطرة “حزب الله” على مقاليد السلطة بشكل كامل مع فرض العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ثم حيازة الحزب الأغلبية النيابية بعد إكراه اللبنانيين بالتعطيل والوعيد على قانون انتخاب جاء في لحظة انفراط عقد 14 آذار وذروة هيمنة السلاح.
المشهد في العراق ولبنان متطابق.
فالفساد أفسد قطاع الكهرباء وأسقط المحاسبة وأورد المواطنين موارد الفقر والجوع والجهل والمرض.. ولا يحتاج حال سوريا واليمن إلى شرح حول نتائج حكم جماعة إيران الذي يقوم على رعاية التحالف بين السلاح والفساد.
لكن ماذا يريد نصرالله من مقابلته وإعلانه عن مشاركة السعودية في استهدافه؟
الأرجح أنّه يضع السعودية في موقع العدوّ الواجب الحرب معه الآن.
لكنّه أيضاً يضع لبنان منصّة لهذا العدوان، كما كان الحال دائماً، عبر احتضانه كلّ أعداء السعودية الداخليين والخارجيين في ضاحية بيروت الجنوبية، ودعم الحوثيين في حربهم على اليمنيين أوّلاً، ثم في استهدافهم السعودية ثانياً.
موقف نصرالله هذه المرّة أكثر خطورة لأنّه يأتي مع تزايد التهديدات الإيرانية للأمن والاستقرار في السعودية والسعي الدائم لإحداث اختراقات إرهابية في الجسم السعودي.
فهل ينتظر نصرالله من السعودية أن ترسل له باقات الورود إلى حارة حريك وأن ترسل له موفداً ملكياً معزّياً بقاسم سلمياني، وأن تقيم السلطات سرادق العزاء في مكّة المكرمة التي استهدفتها صواريخ قاسم سليماني وخبراء “حزب الله”؟
هل ينتظر نصرالله من أهل القصير والقلمون وسائر البلدات والمدن السورية المنكوبة والمدمرة، ومن أهالي اليمن المشردين ومن شعب العراق الممزّق، أن يتظاهروا تضامناً معه إزاء ما أعلنه عن استهدافه؟
هل ينتظر نصرالله من اللبنانيين أن يتعاطفوا معه وهو الذي خطب ذات يوم ليؤكّد أنّه يعتبر جريمة السابع من أيار “يوماً مجيداً”، رغم أنّه كان “حفلة قتل” على الهواء، رفض الاعتذار عنها وهدّد بتكرارها مراراً؟
هل ينتظر نصرالله من أهالي شهداء الجيش وقوى الأمن الذين ذبحهم تنظيم داعش الإرهابي في الجرود وأخرجهم حزبه بالباصات المكيفة إلى الملاذات الآمنة، أن يقصدوا شوارع الضاحية معلنين الاستعداد لفدائه بأرواحهم؟
أسئلة كثيرة يمكن اختصارها بسؤال واحد: هل يستطيع أحد أن يتوقع من الضحية أن يتمنى طول العمر لقاتله؟