أصبح تشكيل الحكومة موضوعاً هامشياً، بعد المنعطف الذي سلكته التطورات في منطقة الشرق الأوسط، بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وأصبحت كل الجبهات موحدة ومترابطة، سواء جاء القرار بفتحها، أم عبر الاكتفاء بترابطها المعنوي. أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، يثبت مجدداً أن لبنان جزء لا يتجزأ من المحور الإيراني. لا بل أكثر من ذلك، بدا نصر الله وكأنه وريث دور سليماني في المرحلة المقبلة على الساحات العربية كلها. وذلك من خلال توجهه إلى حلفاء إيران بالنصائح. قال نصر الله إن طهران لن تطلب شيئاً من حلفائها. ما يعني أن عليهم بأنفسهم أن يجدوا الطريقة المناسبة للرد على اغتيال سليماني. فالضربة لم تستهدف إيران وحدها، بل كل “محور المقاومة” والمنتمين إليه.
توزيع المهام
وجّه نصر الله حلفاء إيران بضرورة الرد عبر استهداف القواعد الأميركية والجنود والبوارج في منطقة الشرق الأوسط. وهذه بحد ذاتها مؤشر إلى أن الرجل يوزع المهام ويحدد الفروض، كموجّه لحلفاء إيران في المنطقة. وهو الدور الذي كان يلعبه سليماني. وعلى كل حال، لنصر الله رمزية استثنائية وتأثير كاريزماتي داخل المحور الإيراني على جميع الحلفاء. نجله شهيد، ساعد حزبه في كل الصراعات والحروب التي خاضها حلفاء إيران من سوريا إلى العراق واليمن وفلسطين والبحرين وأبعد.. وهذا ما يؤهله إلى لعب هذا الدور. كما إن حزب الله هو الحليف الأقوى والأكثر تنظيماً وتأثيراً بالنسبة إلى إيران في المنطقة. فقد أحكم الحزب السيطرة المطلقة على لبنان سياسياً وعسكرياً، وبذلك هو يتقدم على الجميع.
بمجرد أن يوجه نصر الله حلفاء إيران باستهداف الأميركيين في المنطقة، ضمن معركة إخراجهم منها بالنعوش وبعد إذلالهم، فذلك يفترض تغييراً بمعادلات وقواعد عسكرية وسياسية في كل الدول الخاضعة للنفوذ الإيراني، بما سينعكس حتماً على لبنان. وبات هناك سؤال أساسي لا بد من طرحه بعد موقف نصر الله: هل يمكن أن يبقى لبنان محيّداً عن خوض هذا الصراع أو المعركة الجديدة؟ فيما نصرالله اللبناني أرشد العراقيين والسوريين واليمنيين إلى استهداف الأميركيين؟ منطقياً، فإن ذلك لا يستقيم، على الرغم من أن نصر الله أعلن انه ليس قائداً ولا صاحب قرار ويتحدث بحكم معرفته بحلفائه. لكن حكماً الموقف يلزم الحزب بتنفيذ عمليات تستهدف الأميركيين كما سيفعل الآخرون.
أميركيو لبنان
صحيح أن ليس في لبنان قواعد عسكرية أميركية. لكن هناك جنوداً وضباطاً أميركيين موجودين في حامات، وقاعدة رياق الجوية وقاعدة عمشيت البحرية. ووجودهم يرتبط بالتنسيق وببرامج المساعدات للجيش اللبناني. ما يعني أن استهدافهم سيكون له انعكاسات سلبية على لبنان برمته. وهذا إذا حدث فما علينا سوى انتظار الرد الأميركي وكيف ستتعاطى واشنطن عسكرياً، ومالياً وسياسياً مع لبنان. ولا بد – التزاماً من نصر الله بموقفه- أن يستتبع ذلك بمواقف سياسية أخرى قد تطال حلفاء واشنطن في لبنان، أو المحسوبين عليها في النظام اللبناني، كالجيش وحاكم مصرف لبنان.
إذا ما قُرن الموقف بالفعل بالنسبة إلى الحزب، فإن لبنان أمام سيناريوهات دراماتيكية لا تقل عن خطورة الاوضاع السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية للعراق وسوريا. ومنطقياً فإن التورط بهكذا مغامرة مستبعدة من قبل الحزب، الذي يحكم السيطرة على المفاصل اللبنانية. فأي تخريب للمعادلة السياسية الحاكمة، ستجعل الحزب أول المتضررين. وليس الحزب ولا إيران ممن يتعاطون عاطفياً في هكذا ملفات. الحسابات السياسية تختلف هنا عن الخطب العاطفية. وما يصلح حالياً في لحظة “الدم الحامي” ستتراجع حماسته بعد فترة لصالح الهدوء والتكتيك والصبر. وأي تصعيد سيكون هدفه تحقيق المزيد من المكاسب السياسية في المنطقة.
تأخير الحكومة
لذلك تريث حزب الله بعيد اغتيال سليماني بموضوع تشكيل الحكومة. قد يكون التريث بسبب الاهتمام بتطورات الأوضاع في المنطقة، ومتابعة ما يجري. لأن ذلك يفوق أهمية من تفاصيل الحكومة. في اليوم التالي لاغتيال سليماني، تواصل رئيس الحكومة المكلف حسان دياب مع الحزب للسؤال عن الوضع، فأجيب أن يستكمل مساعيه. لكن عندما واجه عقبات وعثرات من باسيل، استنجد بالحزب الذي تأخر في الإجابة والمساعدة. ما فُهم إنه تريث وعدم تفرغ للشأن الحكومي. وهذا ما أخّر الولادة الحكومية، التي تحال أسباب تأخيرها إلى خلاف بين باسيل ودياب. لكن حقيقة التأخير أن الحزب لم يتدخل لمعالجة الأمور. والجميع يبحث عن الاستفادة من هذا الوضع لتحسين شروطه.