إنها أكثر المقاربات السياسية التي يقدمها رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، على هذا القدر من التكامل مع حزب الله.
فإذا ما كان أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، قد تولى الحديث في الملفات الإقليمية وربط لبنان فيها، فإن باسيل تولى تقديم التصور التفصيلي الداخلي، كعنصر مكمل لما طرحه نصر الله.
جاء باسيل حاملاً طرحاً بكل ملفات الساعة والمنطقة، من ترسيم الحدود إلى التطبيع والمصالحة الخليجية، والعلاقة الجيدة مع إيران وغيرها.
كرر مجدداً رهانه على الإدارة الأميركية الجديدة التي ستكون متقاربة أكثر مع إيران ومبتعدة نسبياً عن دول الخليج وتركيا. وهذا رهانه ليعيد تعويم نفسه سياسياً، على الرغم من كلامه حول إعادة البحث في تفاصيل العلاقة مع حزب الله، وطرح إدخال تغييرات عليها.
أبقى باسيل على التكامل مع الحزب وسياسته، وربط نفسه بالتحالف معه، إنطلاقاً من رهانه على المفاوضات الأميركية الإيرانية.
الترسيم والتطبيع
مفاوضات ستطال بكل جوانبها الملف اللبناني، معيداً التذكير بضرورة تحسين العلاقة مع سوريا، لعدم خسارة لا الغرب ولا الشرق. وفقاً لهذه المقاربة، قدم باسيل تصوره الحكومي، معتبراً أن الحكومة لن تكون “حكومة مهمة”، إنما حكومة ذات قرارات استراتيجية، سواء في السياستين المالية والاقتصادية، وتغيير وجهة لبنان مصرفياً، وكذلك في القرارات السياسية أو في ترسيم الحدود والعلاقات الإقليمية والدولية. قال حرفياً: “هذه الحكومة هي التي ستقرر إذا ما سيكون هناك تطبيع أم لا”.
جملة مفتاحية لا بد من رصد أبعادها ومراقبة التطورات في المرحلة اللاحقة، على وقع أي مفاوضات إيرانية أميركية، ستؤدي في النهاية إلى اتفاق حول ترسيم الحدود.
وهو بذلك أراد أن يشير إلى أن لبنان سيكون مواكباً لتطورات الوضع في المنطقة.
قال باسيل ما لم يقله نصر الله، خصوصاً في الشق الداخلي، وفي مقاربته الحكومية.
وتناول الحريري والردّ على كلام وليد جنبلاط. جاء كلام باسيل مكملاً لكلام نصر الله، ومن موقع مسيحي، وبلغة مسيحية أيضاً.
وإذا ما كان نصر الله قد تولى العناوين العريضة مفضلاًً عدم الدخول في سجالات مع الأطراف الداخلية، فقد تولى الأمر باسيل، بالدعوة إلى توسيع الحكومة، والردّ على خصومه وخصوم الحزب، وأصرّ على إحراج الحريري بفضح وكشف المداولات بينه وبين رئيس الجمهورية.
حكومة بشروط باسيل
وهنا لا بد من طرح سؤال أساسي، هو كيف يقوم باسيل بتقديم مطالعة تتضمن كل المداولات التي جرت بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية؟ هذا يعني أن الرئاسة تحيل كل المداولات في اجتماعاتها إلى باسيل، خصوصاً فيما يتعلق بعملية تشكيل الحكومة.
وعندما لجأ إلى اتهام الحريري بالانقلاب على ما تعهد به لرئيس الجمهورية من قبل، حول استعداده للتنازل عن وزارتي العدل والداخلية، ومن ثم انقلب على ذلك وفق ما اعتبره جبران تحسباً من أن وزير العدل يريد محاكمة الحريري وسجنه. وهذا يكمل كلام نصر الله، الذي قال إن الخلاف على حقيبتي الداخلية والعدل بسبب فتح ملفات وانعدام الثقة.
خلاصة كلام باسيل أن لا حكومة في المدى المنظور، ولا حكومة برئاسة سعد الحريري، ومن دون قدرة على سحب التكليف منه، وإن أعاد باسيل التذكير باقتراح قانون تقدم به تكتله النيابي لتقليص مهلة الرئيس في إجراء الاستشارات، وتحديد مهلة للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، لتقديم تشكيلته الحكومية.
قال باسيل بصريح العبارة أن لا حكومة من دون شروطه وشروط رئيس الجمهورية، وإلا لن يتمكن الحريري من الدخول إلى السراي الحكومي.
هذا الخطاب وأبعاده السياسية ستؤسس للمزيد من التوترات على الأرض، والتي ستصل في النهاية إلى ما طرحه في آخر كلمته حول الذهاب إلى “حوار وطني”، لن يكون إلا عاملاً مؤسساً جديداً لتغيير الدستور، تخلصاً من الطائف.