مَنْ بعد لقمان سليم: شخصيات أم البلد كله؟

اغتيال لقمان سليم: ضربة للداخل والخارج

6 فبراير 2021
مَنْ بعد لقمان سليم: شخصيات أم البلد كله؟
منير الربيع
منير الربيع
لقمان سليم جثة مغدورة طريحة.
لبنان ساحة مشرعة، لادولة، بكل مقومات انهيارها، وفقدان الثقة بها وبمن فيها وعليها، ومن يواليها ويتولاها.
ولا يستهدف الاغتيال لقمان سليم وحده، إنما اللبنانيين كلهم. يعلن دولة مفقودة أو مهدورة ومسحوقة.
اغتيال يخنق الأمل الأخير في احتمال بناء الثقة مع المجتمع الدولي.

المُتَهِم اللاذع

أتى الاغتيال على مشارف ذكرى اغتيال رفيق الحريري، وبداية طريق التحول وتغيير وجه لبنان سياسياً وثقافياً.
تلك العملية المدوية كانت فاتحة عصر الاغتيالات. ولن تكون تصفية لقمان سليم الأخيرة.
في الأسابيع الماضية عزز اغتيال العقيد منير أبو رجيلي عوامل انهيار الثقة المحلية والخارجية بلبنان الدولة. وبعده المصور جو بجاني، وقبلهما اغتيلت بيروت كلها بتفجير مرفئها.

هدف الاغتيالات تصفية ما تبقى من ظلال لبنانية.

وبعد اغتيالات سياسية متتالية تتزاحم الأسئلة، تتضارب الإجابات، ويصاب المرء بصداع التحليل والتشبيك والتربيط ما بين قراءات ومعطيات ومعلومات.

والخلاصة الأولى: شخص اغتيل لشخصه، ولما يرمز إليه من علاقات محلية وخارجية.

والخلاصة الثانية: لبنان ساحة سائبة قابلة لأن تتلاعب فيها أجهزة أمنية واستخباراتية متعددة، من طرابلس إلى عرسال وبيروت وضاحيتها الجنوبية والجنوب.

تتعدد القراءات السياسية حول عملية الاغتيال، وتتنوع الأسئلة.

أصابع الاتهام الأولى وجهت بديهياً إلى حزب الله، بما أن لقمان أحد معارضيه الشرسين اللاذعين، ومن أبرز الذين حملوا حزب الله مسؤولية تفجير مرفأ بيروت، والكثير من العمليات الأمنية والاغتيالات، وصولاً إلى مسؤولية الانهيار الاقتصادي، كراع للطبقة والمنظومة السياسية كلها.

لا مراعاة لأحد
على هامش هذا الاتهام، لا بد من طرح أسئلة كثيرة: عن التوقيت، والخلفيات، والدافع، والموقع. ويتقدم السؤال عن موقع الجريمة على ما عداه.

كثر يتساءلون ما إذا كان من المنطقي والواقعي أن يقدم حزب الله على مثل هذه العملية في منطقة محسوبة عليه وخاضعة لسيطرته؟ وكأنه يسهّل إلقاء الاتهام عليه.

ويردّ استنتاج آخر: بلغ حزب الله مرحلة من الارتياح والاطمئنان والقوة التي لا تثنيه عن القيام بأي عمل وفي أي موقع. فهو واثق من أن لا أحد يطاله، ولا تحقيق يصل إلى شيء.

وترد فكرة أخرى: لربما تقصّد حزب الله الموقع ليقول للجميع إنه لم يعد مستعداً لمراعاة أحد، معلناً مسؤوليته المجهولة.

ويستمر تزاحم الأسئلة والسيناريوهات: ماذا لو نفذت العملية جهة تريد إحراج الحزب أكثر، والضغط عليه، وتحميله مثل هذه المسؤولية؟ ولماذ الآن طالما أن لقمان وغيره من الشيعة المعارضين يقيمون في الضاحية ولم يمسسهم أحد؟

بمعزل عن التكهنات والتحليلات والاتهامات: لبنان ساحة مفتوحة. مؤسساته مترهلة. ودولته متحللة. هذه هي الخلاصة.

وما يجري على أراضيه، أمنياً وسياسياً واجتماعياً، واقتصادياً، يأخذه بعيداً في النفق: لا إصلاح، لا نهوض، بل تعميق الهوة والغربة عن البلدان والدول العادية أو الطبيعية.

حقيقة معروفة مجهولة
وفي سيناريوهات التوقيت ينطوي ما جرى على أن حزب الله – بعدما أوصل رسائل عديدة إلى خصومه منذ ثورة 17 تشرين، وما بعدها إنه ليس في وارد تفنيذ أي عملية تغيير، بسبب وجود إدارة أميركية تتربصه –  يتصرف ويعمل في الوقت ضائع: الإدارة الأميركية الجديدة ضائعة، والمبادرة الفرنسية معطلة. ويمكن تمرير ضربة للداخل والخارج، لتثبيت وقائع جرى تثبيتها سابقاً، في العام 2005 وما بعده، وفي الثمانينات وما بعدها.

في المقابل هناك سيناريو آخر متداول: استمرار المزيد من الضغوط على حزب الله وتحميله المسؤولية في الداخل والخارج.

والأكيد أن لبنان بلد اللاحقيقة.

الحقيقة فيه معروفة ومجهولة ومدفونة.

وقد تندرج الجريمة في سياق الإنذار الذي أراد المنفذون توجيهه إلى جهات محلية وخارجية، في وقت ضائع على الصعيد الدولي.

وهذا لتحريك الدوامة اللبنانية.

وهناك من يعتبر أن العملية لن تؤدي النتائج المرجوة منها.

وحصل الاغتيال فيما تتبارز الأجهزة الأمنية لتوقيف شبكات إرهابية، وتعمل على التعاطي بقوة بعد ما جرى في طرابلس.

لكنها غابت كلياً عن الساحة الجنوبية حيث حصلت جريمة اغتيال لقمان سليم.

وفي القراءات السياسية هناك من يعتبر أن حسابات الجاني خاطئة، وستلقي بظلالها على الكثير من الملفات والمواقف الداخلية والخارجية، وحتى على عملية تشكيل الحكومة. ويرى آخرون أن الجريمة ستُنسى كغيرها بعد أيام، وتعود اللعبة إلى قواعدها.

لكن الخلاصة أن لبنان في طريق الزوال، ولن تتمكن من إنقاذه لا مبادرة فرنسية، ولا جولات خارجية، ولا تشكيل حكومة.

بعيداً عن الغوص وعن القراءة السياسية: مَنْ بعد لقمان سليم؟ أيكون شخصاً أم منطقة أم مدينة؟ لبنان المشرع على انهيار مالي واقتصادي وسياسي واجتماعي، ها هو يدخل بوابة الانهيار الأمني.

والأخطر آتٍ.

المصدر المدن