حصل عون على الرئاسة… والحزب على الجمهورية

11 فبراير 2021
خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

هناك أمور لا تحتاج إلى تبسيط. يعود ذلك إلى أنّ مثل هذه الأمور في غاية البساطة أصلاً.

من بين هذه الأمور وثيقة مار مخايل الموقّعة بين الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله ورئيس الجمهورية الحالي ميشال عون في السادس من شباط 2006. الأمر بسيط إلى درجة أنّ كل طرف من الطرفين حقّق مبتغاه من هذه الوثيقة. حصل ميشال عون على موقع رئيس الجمهورية وحصل “حزب الله” على الجمهورية.

لا حاجة إلى تأويلات وشرح طويل ولا حاجة إلى تهديد يصدر عن “العونيين” من نوع ذلك  البيان – الفضيحة الذي صدر في السادس من الشهر الجاري في مناسبة مرور 15 عاماً على توقيع وثيقة مار مخايل.

ورد في البيان المثير للشفقة: “يرى المجلس السياسي في ذكرى توقيع تفاهم مار مخايل بين التيار الوطني الحر وحزب الله مناسبة للتمعّن في هذا التفاهم.

فهو جنّب لبنان شرور الفتنة والانقسام وحماه من اعتداءات الخارج، فردع إسرائيل وصدّ الإرهاب، إلاّ أنّه لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون.

ويعتبر المجلس أنّ تطوير هذا التفاهم بإتجاه فتح آفاق وآمال جديدة أمام اللبنانيين هو شرطٌ لبقاء جدواه إذ تنتفي الحاجة إليه إذا لم ينجح الملتزمون به في معركة بناء الدولة وانتصار اللبنانيين الشرفاء على حلف الفاسدين المدمّر لأيّ مقاومة أو نضال”.

لم تكن الحاجة إلى 15 عاماً لاكتشاف أنّ وثيقة مار مخايل، أو “تفاهم مار مخايل”، كما يقول المجلس السياسي لـ”التيار الوطني الحر” الذي اجتمع برئاسة جبران باسيل، ليست مشروعاً لبناء دولة.

الكلام عن بناء دولة بالشراكة مع “حزب الله” كلام لا يصدّقه سوى “العوني” الذي يمكن اعتباره مواطناً مسيحياً ساذجاً يجهل ما هو “حزب الله” وما مشروع “حزب الله”.

إنّه مواطن مسيحي من الطبقة دون المتوسطة، في معظم الأحيان، لا يقرأ ولا يكتب.

وهو إذا قرأ، لا يفهم ما قرأه. الأهمّ من ذلك كلّه أنّه مواطن لا يمتلك سوى الغرائز بديلاً من الذاكرة.

لو كانت لديه أيّ ذاكرة، من أيّ نوع، لما سار في ركاب ميشال عون  بعد عودته من باريس في العام 2005 على دم رفيق الحريري.

لو كانت لدى “العوني” ذاكرة ما لكان تساءل كيف يمكن لميشال عون الرهان في الأعوام  1988 و1989 و1990 على صدّام حسين، الرئيس العراقي وقتذاك، وعلى أنّ صدّام حسين سيخلّصه من حافظ الأسد الذي رفض أن يجعل منه رئيساً للجمهورية؟

لا حاجة إلى العودة إلى ما حدث قبل ثلاثة عقود حين كان ميشال عون رئيساً لحكومة عسكرية موقتة استقال منها الضباط المسلمون، حكومة لا مهمّة لها سوى انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس أمين الجميّل الذي انتهت ولايته في 23 أيلول 1983 وغادر على الفور قصر بعبدا.

لم يعد “التّيار الوطني” يمتلك ورقة اسمها إعادة “تطوير التفاهم” مع “حزب الله.

لم تعد لدى الحزب من حاجة إلى غطاء مسيحي لسلاحه بعد استهلاكه ميشال عون وجبران باسيل وعصره البرتقالة إلى آخر نقطة فيها.

استطاع  الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، أخذ ما يريد من العهد الذي صنعه في العام 2016 عندما أمّن لميشال عون الوصول إلى قصر بعبدا في 31 تشرين الأوّل من تلك السنة.

إذا كان من كلمة حقّ تقال، فإنّ “حزب الله” التزم تعهّده. في المقابل التزم الثنائي عون – باسيل ما وعدا به، بل أكثر ممّا هو مطلوب منهما.

أمّنا للحزب كلّ ما يحتاج إليه، أو على الأصحّ كلّ ما كان يسعى إليه من دون أيّ سؤال من أيّ نوع وذلك منذ توقيع وثيقة مار مخايل.

بعد مرور عشر سنوات على وثيقة مار مخايل، وبعد مرور ميشال عون وجبران باسيل بنجاح بكلّ الفحوصات التي أُخضعا لها، كانت الجائزة الكبرى لهما وهي رئاسة الجمهورية.


استطاع الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، أخذ ما يريد من العهد الذي صنعه في العام 2016 عندما أمّن لميشال عون الوصول إلى قصر بعبدا في 31 تشرين الأوّل من تلك السنة


يدرك “التيّار الوطني الحر” في قرارة نفسه أنّه لم يعد لديه ما يساوم عليه وأنّ لا مجال لأيّ تفاوض في شأن وثيقة مار مخايل من أجل بناء دولة.

من يمضي دزينة سنوات في وزارة الطاقة ويفشل في إعادة الكهرباء إلى بلد النور (سابقاً)، لا يحقّ له الكلام عن مشروع بناء دولة.

يحقّ له فقط الكلام عن النتائج التي يفضي إليها تحالف السلاح مع الفساد. في مقدّم هذه النتائج تحوّل لبنان إلى دولة فاشلة.

تنتمي وثيقة مار مخايل إلى الماضي، لكنّها تتحكّم بالحاضر. يؤكّد ذلك البيان الذي صدر عن قيادة  “التيّار الوطني الحر” الذي لم يتجرّأ على تسمية لقمان سليم في هذا البيان.

اكتفى البيان بإدانة الاغتيالات عموماً وكأنّ جريمة اغتيال هذا السياسي والمثقف اللبناني الذي أصرّ على البقاء في الضاحية الجنوبية، في حارة حريك تحديداً، مسقط رأس ميشال عون، لا تستأهل موقفاً يحدّد من المسؤول عنها ويسمّي الضحيّة.

اكتفى بيان “العونيين” بالقول: “يؤكد المجلس السياسي موقف التيار الوطني الحر ‏برفض العنف والاغتيال السياسي كوسيلة لإسكات أيّ رأي ويعتبر أنّ ذلك لا يأتلف مع صيغة لبنان وعلّة وجوده، وهو يحذّر من أي استغلال أيّ جريمة بالقفز فوق التحقيقات المطلوبة وإصدار الاتهامات السياسية المسبقة التي علّمتنا التجارب السابقة أنّها تخدم مصالح الخارج السياسية وتحرّض على الفتنة دون أن تصل إلى الحقيقة المطلوبة”.

مثل هذا الكلام الذي يتفادى توجيه أيّ اتهام من أيّ نوع لـ”حزب الله”، علما أنّ الحزب لم يستحِ بما ارتكبه، يؤكد شيئاً واحداً.

إنّه يؤكّد أنّ هناك ثمناً كبيراً يدفعه البلد كلّه في ضوء رغبة السياسي الماروني في الوصول إلى رئاسة الجمهورية بأيّ ثمن كان

هذا ما حصل بعد توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969 وهذا ما يحصل حالياً نتيجة توقيع وثيقة مار مخايل في 2006!

المصدر أساس