التمساح الشرس… لن يستطيع افتراس الإعلام اللبناني

22 فبراير 2021
التمساح الشرس… لن يستطيع افتراس الإعلام اللبناني

Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/beirutnews/public_html/wp-content/themes/newsbt/includes/general.php on line 742
شادي علاء الدين
شادي علاء الدين

يتعرّض الإعلام اللّبناني،على الرّغم من كل محاولاته لضبط إيقاع العلاقة بينه وبين السّلطة الفعليّة الحاكمة، إلى حملة تطويع رباعيّة الأركان.

الإعلاميّ رياض قبيسي رصد ملامحها في تعليق فيسبوكيّ، تناول موضوع السّيطرة الحزبية على توزيع كابلات الاشتراكات وحجب محطات في مناطق لأسباب سياسية، والاعتداء على النّاشطين في مناطق نفوذ حزبيّة، وإطلاق حملات تخوين بحقّ ناشطين، إضافة إلى رفع دعاوى قانونيّة ضد النّاشطين والإعلاميّين وتفعيل خطاب الجمهور الغاضب… من دون أيّ اعتراض من القيّمين على الإعلام في لبنان.

لكن فجأة استدعت لجنة الإعلام والاتصالات النيابيّة، التي يرأسها نائب حزب الله حسين الحاج حسن، رؤساءَ مجالس إدارات التّلفزيونات اللّبنانية، لمطالبتهم بتعديل الخطاب الإعلاميّ والتوقف عن بثّ حملات الاتّهام بحقّ جهة حزبية نافذة، خصوصًا بعدما قدّمت الإعلاميّة ديما صادق حلقة ناريّة على قناة mtv، حملت اتّهامًا مباشرًا لهذه الجهة، باغتيال المحلّل والكاتب السّياسيّ ومدير جمعية “أمم للأبحاث والتّوثيق” لقمان سليم.


استدعت لجنة الإعلام والاتصالات النيابيّة، التي يرأسها نائب حزب الله حسين الحاج حسن، رؤساءَ مجالس إدارات التّلفزيونات اللّبنانية، لمطالبتهم بتعديل الخطاب الإعلاميّ والتوقف عن بثّ حملات الاتّهام بحقّ جهة حزبية نافذة


الحاج حسن كرّر منطق خطاب كان الأمين العام لحزب الله حسن السيّد نصر الله قد ألقاه العام الماضي، وخاطب مؤيديه قائلًا لهم: “حافظوا على غضبكم، لأننا قد نحتاج إليه لمنع جرّ لبنان إلى حرب أهليّة”.

ثم هدّد في خطاب لاحق مطلع هذا العام: “إذا كان المطلوب أن تتم معالجته من قبل الناس عبر تظاهرات واعتصامات فمن الممكن أن يأتي يوم للمعالجة، وإذا كان القضاء يعالجه فليعالجه”.

في هذا الإطار اعتبر أنّ ما قام به موزعو خدمة اشتراكات الكابل في الضّاحية الجنوبيّة لناحية وقف بثّ mtv، لا يخرج عن كونه “ردّة فعل متوقّعة من قبل جمهور يجد نفسه مستهدفًا”.

في ظل هذه الأجواء لم تتوقف حملات ترهيب النّاشطين، فقد تمّ إطلاق النّار على سيّارة النّاشط شادي شمعون في غزير أمس، وتُرك غلاف الرّصاصة الفارغ تحتها كنوع من رسالة ترهيب وتهديد مباشرة.

كما أنّ رياض قبيسي تحدّث عن منعه من ممارسة حقّه القانونيّ في رفع دعوى قضائيّة قبل أن يمحو الفيديو بسبب اتصال النيابة العامة به ودعوته إلى السير بالدعوى.

يضاف إلى ذلك، أنّ خطاب التّهديد المباشر، والدّعوات إلى تحسّس الرّؤوس، قد باتت بمثابة عدّة الشّغل اليوميّة في بعض الإعلام التابع لحزب الله.

الرّغبة في إسكات الإعلام تجلّت بشكل قد يكون غير مسبوق في آخر خطابات السّيد نصر الله الّذي تحدّث عن وجود جوقة من السّباب والشّتائم لحزبه من دون أيّ حجّة، وأنّ هناك مناخًا يعتبره متّهمًا ومسؤولًا، كما تحدّث عن جيوش إلكترونيّة مدعومة من عواصم القرار العالميّة ومن إسرائيل، تهدف إلى إثارة الفتن والخلافات وأخذ البلد إلى الانفجار.

كلّ هذا سبق أن قيل بطرق مختلفة، إلّا أنّ وتيرته وطبيعته التّصعيديّة بدت مرتفعة. الجديد يكمن في الإشارة إلى أنّ إسرائيل لا تتورّع عن قتل مواطنيها وعملائها، وتاليًا فإنّ حملة التخوين ضد الإعلاميين تجد تبريرًا مباشرًا في أنّ إسرائيل مستعدة لقتل عملائها بغية تمكين مشروع إثارة الفتن.

في الحقيقة لا يبدو الأمر مفهومًا لأنّ الجهة الأكثر تنظيمًا وشراسة في استخدام الجيوش الإلكترونيّة، أو ما بات يسمّى بـ”الذّباب الإلكتروني” في لبنان، هي الجهة نفسها الّتي تدّعي اليوم أنّ خصومها يحاربونها بهذه الطّريقة.

لغة التّهديد والشّتم والتّخوين الّتي يستخدمها جمهورها في حقّ كلّ من يخالفها الرّأي، باتت بمثابة ماركة مسجّلة، وصارت محل تندّر وسخريّة، نظرًا لمدى رسوخها وشيوعها وانتشارها بشكل يطبع طريقة تعبير البيئة المؤيّدة لها ويعبّرعنها.


في الحقيقة لا يبدو الأمر مفهومًا لأنّ الجهة الأكثر تنظيمًا وشراسة في استخدام الجيوش الإلكترونيّة، أو ما بات يسمّى بـ”الذّباب الإلكتروني” في لبنان، هي الجهة نفسها الّتي تدّعي اليوم أنّ خصومها يحاربونها بهذه الطّريقة


ولا ننسى توظيف القانون في المعركة ضدّ الإعلام، وهو يكاد يكون كاريكاتوريًّا، لأنه صادر من جهة تجاهر ليلًا ونهارًا بمعاداتها للقانون، وبخروجها عنه في كل سكَناتها وحركاتها، لا بل يشكّل رفض القانون خصوصيّةً يمكن دمجها بالعقيدة، كونه يعبّر في نظرها عن الخضوع لسلطة غير شرعيّة.

فبعد ديما صادق وآخرين، تقدّم قريبون من حزب الله أمس بدعوى ضدّ الزميل نديم قطيش باعتباره “يحرّض على التدخل الخارجي”.

لا يمكن فهم مسار تطويع الإعلام الذي بدأ يتّخذ منحًى شديد الخطورة، سوى أنه  يمثّل المجال الذي لا يزال خارجًا عن السيطرة الكليّة والشّاملة.

فعلى الرغم من العيوب الكثيرة الّتي تطال العمل الإعلاميّ في البلد، وعلى الرّغم من أنّ جزءًا منه حرص على مسايرة السّلطات في مقاربة مواضيع حرجة، وعمد كذلك إلى النطق باسمها ومعاداة الناس، إلا أنّه لا يزال عمومًا يعبّر عن خطاب حريّة ورفض وانتقاد ولا يزال عصيّاً على السيطرة من قبل المنظومة الحزبية والسياسية والأمنية والقضائية الحاكمة.

قد يكون تفسير الحملة المحمومة ضد الإعلام حاليّا ممكنًا، إذا اعتبرنا أنّ القيمين على المؤسسات الإعلاميّة انتبهوا إلى أنّ علاقتهم مع هذه البنية المتسلّطة، الطّامحة إلى خلق حالة سيطرة مطلقة، مماثل لما كانت المفكّرة السّياسية “حنة أرندت” تشبّه به أحوال من يحاولون التّفاهم مع تمساح شرس، على أمل أن يكونوا آخر من يلتهمهم.

هل انتبه الإعلام إلى أنّ التفاهم مع هذا النوع من السّلطات مستحيل، وأنّه لا مفرّ له من  ممارسة دوره الحقيقي، فتمّ تاليًا وضعه على لائحة الترهيب.

 

 

المصدر أساس