ساد بعض التفاؤل مؤخرا” بقرب تشكيل الحكومة.
فقد دخلت روسيا على خط تشكيلها متقاطعةَ ومنسِّقةً موقفها مع فرنسا (وأوروبا) وأميركا. واتصلت بإيران بناءً على طلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بهدف مساندة مساعيه وتليين موقف حزب الله من تشكيل الحكومة.
وهي تكثّف اتصالاتها بمكوّنات الطبقة السياسية خصوصًا الحزب الذي يزور وفد منه موسكو، كما لو أنّها تظن أنّها بمراضاته وبتشكيل ضمانة له ولحلفائه سوف تساهم في حل عقدة الحكومة.
وقد تلاقت هذه الجهود مع توجهات السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة. وهكذا، يبدو وكأن هناك توافقًا دوليًا للتعجيل بتشكيل الحكومة قبل أن يغرق لبنان في جهنم ويتحول إلى قنبلة موقوتة يكون لها تداعيات خطيرة على أمن واستقرار المنطقة ومصالح هذه الدول.
فتحرجها وتجبرها على معالجات راديكالية مكلفة للوضع اللبناني لا ترغب بها. فمن وجهة نظرها، الأفضل لها أن تبقي لبنان بين الحياة والموت من خلال وضع كوابح لتدحرج الوضع فيه إلى الخراب الكامل.
لبنان في قلب عاصفة دولية وإقليمية ضخمة. على صغره، بات اللاعبون الدوليون والإقليميون يتوجسون من احتمال أن يصبح لبنان صاعقًا لتفجير تناقضاتهم أو أقلّه لزيادة حدتها
لذا، يبدو أنّ الدول المانحة خففت من الالتزامات الإصلاحية المطلوبة من الحكومة العتيدة للإسراع بإعطاء لبنان جرعة من المساعدات المالية، على أن تسمي مكونات الطبقة السياسية المارقة وزراءها من “الإختصاصيين” ودون إثارة أي مشكلة بتمثيل حزب الله، ولا بل حتى بإمساكه بقرارها.
أما بانسبة للسياسة الخارجية الأميركية، فإن إدارة بايدن، على الرغم من كل المعوقات الدخلية، تسّرع خطاها باتجاه تطبيع علاقتها مع إيران بحجة الحيلولة دون حصول هذه الأخيرة على السلاح النووي التي باتت، على حد تقدير الإدارة، على بعد بضعة أشهر من حصولها عليه، معتقدةً وواهمةً أنّ بمقدورها في مرحلة لاحقة أن تعيد التفاوض مع إيران على برنامجها النووي لـ”تحسينه” وأن تفتح التفاوض على مسالة صواريخها البالستية ومسيّراتها كما على مسألة تمددها في المنطقة.
فأميركا جو بايدن تتصرّف على قاعدة ضرورة خروجها التدريجي من المنطقة لتتصدى لتحديات لها الأولوية في نظرها: الصين، روسيا، المناخ، ترميم تحالفاتها الدولية… لكن وإن رغبت بذلك، إلا أنّ دينامية الأحداث سوف تقودها إلى عكس ما تخطط له.
على هذا الطريق سارت إدارة باراك أوباما، فتسبّبت بخراب المنطقة وفشلت في سياسة ملاطفة إيران.
في المقابل، تدرك إيران تمامًا ماهية السياسة الأميركية الجديدة وتتصرّف على هذا الأساس.
وإن كانت إيران قد تعطي بعض التنازلات الشكلية في موضوع برنامجها النووي ومسألة الصواريخ، فهي قطعًا على غير استعداد لتقديم أي تنازل ذي شأن بما يخصّ تمدّدها في المنطقة كون تصدير الثورة الإسلامية إلى العالم، انطلاقًا من تصديرها إلى المنطقة، هو علّة وجود نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
فتخلّي إيران عنه يسقط نظامها.
في مواجهة إبراز حسن النوايا والملاطفة والتدليل الأميركي لإيران، ترد هي ميدانيًا بتصعيد في اليمن ومن خلاله، وفي العراق من خلال هجمات الحشد الشعبي على قوات التحالف الدولي وبالتحديد على القوات الأميركية، وفي سوريا بتكثيف التواجد الإيراني من خلال ميليشياتها، وفي لبنان من خلال هيمنة حزب الله على مفاصل الدولة كافة وإمساكه بالسلطة بإخضاع وخضوع الطبقة السياسية المارقة لمشيئته.
كما ترد سياسيًا بالتشدّد في مطالبتها أميركا برفع العقوبات أولًا (وصولًا إلى التعويض عن الأضرار التي نتجت من سياسة ترامب تجاهها) ومن ثم العودة إلى التزامها بالإتفاق النووي دون تعديل.
فإذا كانت سياسة أميركا تجاه إيران على هذا النحو، فلا عجب أن تدعم مبادرة ماكرون الذي يحلم بالعودة إلى الإتفاق النووي مع إيران وعقد الإتفاقات الإقتصادية والتجارية والتوظيفات المثمرة معها، حتى لو تطلّب ذلك من فرنسا مراعاتها في لبنان.
من نافل القول إنّ هناك خفّة في مقاربة الغرب موضوع خطورة الإسلام الجهادي الشيعي والسنّي ليس عليه حصرًا، إنّما أيضًا على المجتمع الدولي بأسره.
لا حكومة قريبًا، لا حلول داخلية، لا إمكانية لحلول دولية تخديرية. ظروف تدويل الوضع اللبناني تقترب. فلنلتف حول بكركي لكي يذهب هذا التدويل باتجاه خلاص لبنان الشعب والكيان والدولة، لا باتجاه اندثاره
عند النظر إلى هذه الصورة الشاملة، يتبين كم هي مضحكة – مبكية مقاربة البعض لتعثر تشكيل الحكومة على أنّ أسبابه داخلية.
والحقيقة أنّ الأطراف اللبنانية المعنية بتشكيل الحكومة تعرف جيدًا أنّ حزب الله لا يريد تشكيلها الآن.
وهي ترقص على وقع هذه الموسيقى البشعة وتتناتش الحصص الوزارية تحسبًا لساعة الإفراج عن التشكيلة الحكومية.
إنّ حزب الله هو الممسك بورقة تشكيل الحكومة.
وهو لن يصرفها إلا عندما يرى بأم العين أنّ إدارة بايدن دخلت التسوية مع إيران وبشروط هذه الأخيرة.
ماذا قد تكون تداعيات الوضع اللبناني على مصالح الأطراف الدولية إذا ما ترك لبنان لمصيره الأسود؟
بعد شهرين أو ثلاثة، تتحول المناطق التي لا تقع تحت السيطرة المباشرة لحزب الله إلى مناطق تسودها شريعة الغاب على عكس مناطق حزب الله حيث تتزايد قوته وبالتالي فعاليته في إطار دوره المحوري في فيلق القدس، علمًا أنّ السيد نصر الله هو قائده غير المعلن وقائد “محور المقاومة” بعد اغتيال قاسم سليماني.
تزيد هذه الفعالية لن يروق للدول العربية وإسرائيل، وسيؤدي إلى ارتفاع حدّة التوتر في المنطقة وسيحرج إدارة بايدن ويتناقض مع توجهات فرنسا وأوروبا التسووية مع إيران.
إنّ “صوملة” لبنان سوف تزيد من مخاطر عودة داعش وأخواتها إلى البيئة الفلسطينية والسورية في لبنان، وبنسبة أقلّ في البيئة السنية اللبنانية، خصوصًا في منطقة طرابلس وعكار. ومن المتوقع أن تتسبّب بهجرة غير شرعية (فلسطينية، سورية وحتّى لبنانية) باتجاه أوروبا.
بالإضافة إلى وجود إمكانية لدخول العامل التركي في الوسط السنّي في الشمال.
كلّ هذه التطورات تقلق بالطبع روسيا التي تخشى من ارتدادات الوضع اللبناني على وضعها في سوريا ومن الآتي: العامل الإسلامي السنّي في لبنان، ولا سيما التركي. ترسيخ وتطوّر الحضور الإيراني في سوريا في وجه إسرائيل.
وإعاقة التوجه الروسي نحو الدول الخليجية الغنية لإعادة سوريا – الأسد إلى جامعة الدول العربية والمساعدة بإعادة إعمارها.
لبنان في قلب عاصفة دولية وإقليمية ضخمة.
على صغره، بات اللاعبون الدوليون والإقليميون يتوجسون من احتمال أن يصبح لبنان صاعقًا لتفجير تناقضاتهم أو أقلّه لزيادة حدتها.
لا حكومة قريبًا، لا حلول داخلية، لا إمكانية لحلول دولية تخديرية. ظروف تدويل الوضع اللبناني تقترب.
فلنلتف حول بكركي لكي يذهب هذا التدويل باتجاه خلاص لبنان الشعب والكيان والدولة، لا باتجاه اندثاره.