
يبدو أن فشل القيادات اللبنانية في تشكيل حكومة لبنانية جديدة تعمل على إنقاذ لبنان من حالة الانهيار العام، سيزيد الأوضاع تعقيدا وتأزما، وتشير التقارير السياسية والأمنية والاقتصادية أن الأمور في لبنان مازالت معقدة، بل إن الأمور ستزيد سوءا خلال الأيام القليلة القادمة بعد أن وصلت مساعي تشكيل حكومة جديدة إلى طريق مسدود ما يجعل الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية مشرعة على كل الاحتمالات.
ومع انهيار العملة الوطنية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والأدوية والمحروقات، إلى جانب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، وصلت البلاد إلى مرحلة الانهيار النهائي إلا في حال معجزة تنقذ الشعب اللبناني من الحالة التي وصل إليها أو اندفاع القيادات اللبنانية للتخلي عن شروط شخصية وذاتية ومشاريع دولية وإقليمية، ومن شأن هذا التخلي إنقاذ لبنان من انهياره المالي والاجتماعي والسياسي والأمني.
لاشك بأن تعقيدات الأزمة اللبنانية وحالة الطلاق بين التيارات والأحزاب المختلفة في لبنان، تؤكد بأن لهذه الأزمة عوامل وتأثيرات خارجية، وترتبط بالصراعات التي تشهدها المنطقة، وما يجعل لبنان ساحة للصراعات الخارجية، وميدان لتصفية الحسابات بين الدول التي تعمل على رسم خريطة جديدة للمنطقة، ومحاولة القوى والدول الاقليمية إيجاد مكان لها في الخريطة القادمة، ولا شك أيضا بأن تعارضات (الامبرياليات) الروسية والأمريكية بمساهمات فرنسية على أرضية الاتفاق بين واشنطن وموسكو من أجل ترسيم خريطة جديدة للمنطقة الممتدة من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا، تعكس نفسها بشكل كبير على الأزمة اللبنانية وتساهم في التعقيدات الحالية.
لذلك وأمام هذا المشهد اللبناني المعقد ، تشهد الأسواق اللبنانية حالة من التخبط والفوضى إلى جانب الارتفاع الجنوني بأسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية والأدوية التي مازالت في الأسواق، ومنذ إعلان فشل المساعي لتشكيل حكومة لبنانية جديدة، أقفلت الطرقات في بيروت والمناطق اللبنانية، وأشعل المحتجون الإطارات المطاطية رفضا للحالة العامة التي وصلت إليها البلاد، وتهافت اللبنانيون أمام المحلات التجارية والصيدليات ومحطات الوقود ، خوفا من الارتفاع المستمر بالأسعار، أو فقدان ما تبقى منها في الأسواق.
كما أن الهجرة الشرعية وغير الشرعية ، وارتفاع عدد الجرائم ، ونسبة البطالة ، والتهديد بحرب أهلية إلى جانب تسرب المعلومات عن موجة اغتيالات متوقعة ، جميعها تشكل مقدمة لانفجار مجتمعي حتمي إن لم تسارع الاطراف اللبنانية على إيجاد الحلول .
وللأسف ، اعتبرت مصادر سياسية لبنانية أن تشكيل حكومة لبنانية جديدة أصبح بعيد المنال على الأقل في المدى المنظور ، وهذا ما يزيد الأوضاع الاقتصادية والأمنية تعقيدا إلى جانب المزيد من انهيار العملة اللبنانية أمام العملات الأجنبية.
بل إن المصادر ذهبت إلى أبعد من ذلك ، وأعربت عن اعتقادها أن الانهيار سيستمر بوتيرة أسرع من السابق، ما يؤدي إلى انفجار الشارع اللبناني وتصعيد التحركات الشعبية ، وسيكون لبنان أمام سباق محموم بين الانفجار والانهيار.
وأمام حالة التوتر العام التي يشهدها لبنان ، وحالة الضياع التي يعيشها المواطن اللبناني ، حذرت بعثات دبلوماسية ومؤسسات دولية ومحلية معنية من تطورات الأوضاع في لبنان وانعكاسها على أوضاع المواطنين والمقيمين .
ودعت نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان والقائمة بأعمال مكتب المنسق الخاص السيدة نجاة رشدي اليوم القادة السياسيين اللبنانيين إلى التركيز بشكل عاجل على تشكيل حكومة تتمتع بالصلاحيات كخطوة أساسية لمعالجة أزمات البلاد المتعددة والخطيرة ولتطبيق الإصلاحات المطلوبة.
وقالت: “يجب المضي قدماً بهذه الخطوة التي لم تعد قابلة للتأجيل بعد الآن”
وناشدت رشدي القادة اللبنانيين إلى ترك خلافاتهم جانباً وتحمل مسؤولياتهم وإنهاء حالة الشلل القائم والاستماع إلى دعوات اللبنانيين اليائسة، وصولاً إلى توفير الحلول للشعب اللبناني.
وأكدت رشدي أن الأمم المتحدة تبقى ملتزمة بدعم الشعب اللبناني واستقرار البلد واستقلاله السياسي وسيادته.
ورغم كل هذه الاتصالات السرية والعلنية القائمة والتحذيرات التي أطلقت من مؤسسات دولية معنية بحقوق الانسان ، من الواضح أن الأوضاع في لبنان تزداد تعقيدا ، و لا حكومة لبنانية جديدة أقله في المدى المنظور، وهذا قد يعمم على الشهرين المقبلين حيث يصادف شهر رمضان فينخفض النشاط إلى مستواه الأدنى.
يبدو أن المشهد اللبناني قاتم ويمر في نفق مظلم ، والأوضاع تنزلق إلى المزيد من التأزم والانهيار ، ما ينعكس بطبيعة الحال على الواقع الاجتماعي والمعيشي للبنانيين ، يدفعهم أكثر نحو الجحيم ، إلا أن مصادر مطلعة تشير إلى أن تدخلا دوليا عاجلا وجادا من شأنه أن يفرض الحلول على القيادات والقوى اللبنانية ، وبالتالي تعمل على فرض حلول سياسية تساهم في الحد من الانهيارات المالية والاقتصادية والمعيشية التي يمر بها لبنان .
لبنان وصل إلى مرحلة الانهيار ، إلا أن مرحلة ما أطلق عليه الصدم أو اللاتطام في نهاية الهاوية سيكون الأصعب والأخطر ، فهل يشهد لبنان انتدابا دوليا جديدا قبل الالتطام والاصطدام ؟