الحراك الدبلوماسي يسأل.. أين “المقاومة” الداخلية للاحتلال الإيراني؟

لتصويب البوصلة... تمهيداً لمعركة "الاستقلال الثالث"

29 مارس 2021
الحراك الدبلوماسي يسأل.. أين “المقاومة” الداخلية للاحتلال الإيراني؟
beirut News
إيلي القصيفي

يبدو الحراك الديبلوماسيّ الغربّي في بيروت مجرّد عنصر ضغط على القوى المعرقلة لتأليف الحكومة لم يتطوّر بعد ليصبح قوّة دفع باتجاه استيلادها.

وهذا ما يستشفّ بوضوح من كلام السفيرة الأميركيّة في قصر بعبدا الخميس، إذ قالت: “إنّ لمن المهم التركيز على تأليف الحكومة، وليس عرقلتها”.

وفي ذلك إشارة جليّة في الزمان والمكان إلى ساكن القصر وحليفه حزب الله.

وفي غياب أيّ إشارة إقليميّة أو دوليّة إلى تحوّل كبير في مسار إعادة إحياء الاتّفاق الأميركيّ الإيرانيّ، لن تبصر الحكومة اللبنانيّة النور طالما أنّ بيروت كما صنعاء هما الآن ورقتا ضغط أساسيّتان في يد طهران تستخدمهما لتحسين شروطها في الطريق إلى طاولة المفاوضات مع الأميركيّين.

الاهتمام الدوليّ لأزمتنا سببه الخوف من تفلّت أمنيّ قد يرتّب أعباء إنسانية على أوروبا.

لكنّه لا يبدو على سكّة إيجاد حلّ قريب للأزمة الحكومية المستعصية التي ارتبطت بالملفّ النوويّ الإيرانيّ.

أما الشكل الداخلي للاستعصاء فهو ليس أنّ الأزمة سياسيّة دستوريّة ذات خلفيّات طائفيّة، كما يحاول العهد وحزب الله تصويرها، بل هي أزمة وطنيّة بامتياز عنوانها الاحتلال السياسيّ والأمنيّ للشرعيّة اللبنانيّة.

ولذلك كرّر البطريرك المارونيّ بشارة الراعي في عظة عيد البشارة الخميس مطالبته بـ”تحرير الشرعيّة والدولة”.

وهي إحدى المطالبات الثلاث التي كان رفعها الراعي في ندائه الشهير في الخامس من تمّوز الماضي، إلى جانب مطالبته بحياد لبنان وتنفيذ الدستور والقرارات الدوليّة الخاصّة بلبنان.

كلام الراعي يفنّد محاولة العهد والحزب تحوير طبيعة الأزمة وادّعاء أنّها أزمة نظام وأزمة خلاف على تفسير الدستور بشأن الصلاحيّات التي ينيطها بكلّ من رئيسيْ الجمهوريّة والحكومة.

فهو يضع الأزمة في سياق احتلال الشرعية، وسيطرة إيران على مجالات الدولة، منذ التسوية الرئاسية التي أتت بالعماد عون، حليف الحزب، رئيساً للجمهورية.

إذاً نحن أمام ديناميّتيْن داخليّتيْن تدفع كلٌّ منهما باتجاه معاكس:

من جهة الحزب والعهد اللذان يأسران العمليّة السياسيّة بشروطهما لسببين مترابطين:

– الأول تلبية أولويّات ومواقيت راعيتهما الإقليمية إيران في سياق مواجهتها مع الولايات المتّحدة الأميركيّة.

– والثاني نقل خريطة الموازين – الراجحة لمصلحتهما بقوّة السلاح – من الشارع إلى داخل المؤسّسات الدستوريّة من خلال محاولة فرض أعراف وممارسات لادستوريّة في سياق سعيهما إلى السيطرة على السلطة التنفيذيّة في البلاد بعد استحواذهما عبر قانون انتخابيّ غريب عجيب على الغالبيّة في المجلس النيابيّ.

أمّا الديناميّة الثانية فتتركّز على المبادرة البطريركيّة لطرح قضيّة لبنان ضمن مؤتمر دوليّ يأخذ من الدستور ووثيقة الوفاق الوطنيّ نصّيْن مرجعيّيْن له في سبيل حثّ القوى السياسيّة على استكمال تطبيقهما، أي أنّ المبادرة البطريركية تصبو إلى هدفين:

– ضمان السلم الأهليّ بالركون إلى وثيقة الوفاق الوطنيّ التي أنهت الحرب الأهليّة.

– وتحرير الشرعيّة والدولة وإنهاء تعدّديّة السلاح التي تضرب الجوهر السياديّ للدولة، وتحوّلها إلى دولة عاجزة عن امتلاك قرار الحرب والسلم وعن تطبيق القانون بالتساوي على جميع مواطنيها وعلى جميع أراضيها.

وهذه شروط أساسيّة للدولة إذا انتفت انتفت الدولة نفسها.

هذا لأنّ لبنان لا يمكنه استعادة موقعه الاستراتيجيّ التاريخيّ من دون تحرير شرعيّته ودولته، أي من دون إطلاق مسار “الاستقلال الثالث” لحماية الدستور، والبحث الجدّي في استراتيجيّة دفاعيّة وطنيّة  تضع حدّاً لتعدّديّة السلاح في البلد.

أيّ عمل سياسيّ معارض يخلو من هذين الهدفين سيكون ناقصاً لأنّه يقتصر على وجوه تفصيليّة من الأزمة ولا يتناول جوهرها المتمثّل بالاستيلاء عبر قوّة السلاح على قرار الدولة وسيادتها.

وتشخيص الأزمة باعتبارها معيشيّةً فقط أو سياسيّةً فقط هو تشخيص إمّا ساذج وإمّا مضلّل. إذ إنّ الأزمة وطنيّة تشمل الجوانب المعيشيّة والسياسيّة والوطنيّة (تعدّدية السلاح) معاً.

وأقلّ من ذلك هو تسليمٌ بمنطق الحزب والعهد اللذين يحاولان تحويل الأزمة إلى أزمة نظام بخلفيّة طائفيّة عبر تصويرها ارتداداً لصراع موروث بين رئيس الجمهوريّة المارونيّ ورئيس الحكومة السنّيّ!

لتصويب البوصلة… تمهيداً لمعركة “الاستقلال الثالث”.

المصدر أساس