إذا كان العالم أجمع يعاني من صعوبات اقتصادية هي الأقوى منذ 90 عاما، إلا أن لبنان يشهد اختناقا وأزمة غير مسبوقة وهي الأسوأ في تاريخه وأقسى عليه من أيام الحرب.
فجائحة كورونا الخبيثة أصابت شعبه بالصميم، والمأساة السياسية التي تترافق مع انهيار مالي تبعث على اليأس، وتهدد مستقبل أبنائه، وقد تدفع الى اضطرابات أمنية واسعة، او حرب أهلية جديدة على ما أشار أمين عام حزب الله حسن نصرالله، علما أن حزبه هو الوحيد الذي يملك سلاحا خارج إطار القوى الشرعية النظامية.
فقدت الليرة اللبنانية ما يزيد على 85% من قيمتها، وأموال الناس محجوزة لدى المصارف، وأموال المصارف بغالبيتها محجوزة بسندات خزينة لدى الدولة، وهذه الأخيرة أعلنت إفلاسها بطريقة غريبة ومن دون مبررات كافية مطلع العام المنصرم، وتمنعت عن دفع مستحقات عليها بقيمة 1.2 مليار دولار، وهي خسرت على دعم أسعار المواد الضرورية خلال عام واحد ما يزيد على 10 مليارات دولار، من دون أن يشعر المواطن بأن هذا الدعم حفظ الأسعار إلا جزئيا، ومن دون أن يكون هذا الإنفاق الكبير لتحفيز القطاعات الإنتاجية لامتصاص البطالة المستشرية، على غرار ما حصل في دول أخرى، حيث أقرت الولايات المتحدة الأميركية مثلا، مبلغ 9 تريليونات دولار لهذه الغاية.
لا يمكن وصف حالة الشباب في لبنان من جراء هذه الأوضاع المهولة، فهؤلاء ومن الجنسين يعيشون في ضائقة وقنوط، دفعت بغالبيتهم للتفتيش عن وسيلة للخروج من لبنان، برغم أن فرص العمل في الخارج ليست بأحسن حال، لاسيما لأصحاب الاختصاص منهم والمتخرجين من الجامعات، وعدد هؤلاء يزيد على 40 ألفا في كل عام، وجموع كبيرة من هؤلاء الشباب دفعتهم حالة الانحباس في المنازل وعدم توافر عمل لهم – كما الصعوبات المعيشية – إلى اليأس، وتم تسجيل حالات واسعة من الاضطرابات النفسية، إضافة إلى تراجع في المشاعر الوطنية وقيام بعضهم بشغب على الطرقات وضد منشآت الدولة، لأن الوطن أصبح بالنسبة لهؤلاء جهنم مريع، ولم تعد تشدهم إليه أي روابط.
والشباب اللبناني الذي يتمتع بغالبيته بكفاءة عالية، وبثقافة متميزة، ترعبه حالة الاستهتار التي يتصرف بموجبها المؤتمنون على إدارة الدولة.
ومظاهر الانحلال والفساد والتبعية التي تظهر لدى رموز العهد، تصيبهم بالقنوط، ذلك أن أكثرية الطبقة السياسية لا تمثل أيا من طموحات هؤلاء الشباب، ومعظمهم مقتنع بأن فرص التغيير صعبة، بل مستحيلة، في ظل وجود نظام انتخابي طائفي سيعيد إنتاج الطبقة السياسية ذاتها، إضافة إلى تبعية قوى سياسية متعددة لمحاور خارجية، وهذه القوى تجهض أي فرصة لتطوير الدولة، ولديها مصلحة في تدمير المرافق السيادية والمصرفية والأمنية لكي يتسنى لها زيادة تحكمها بمفاصل البلاد، وهي ترفع شعارات بالية، منها ما يتعلق بالحفاظ على الدستور وصلاحيات الرئيس، ومنها ما يتعلق بالمقاومة، ومنهم من يستخدم شعارات الدفاع عن حقوق الطائفة، بينما البلاد تضيع وتختنق، والشباب يسخرون من شعاراتهم الواهية والعبثية.
في حلقة حوار افتراضية مع مجموعة من طلابي في الجامعة اللبنانية، قال لي بعضهم: كيف لنا أن نؤمن بدولة يصنف رئيسها وزارة العدل على أنها وزارة خدماتية، فالعدالة عندما تكون بخدمة أحد الأطراف السياسية يعني أن الدولة مستباحة، والقانون شعارا غير قابل للتطبيق.
ويتابع هؤلاء الطلاب الذين أصبحوا على مشارف التخرج: لنفرض أن فرص العمل توفرت لنا في لبنان، كيف يمكن أن نبني مستقبلا او أن نؤسس عائلة، إذا كان الدخل الشهري للمحظوظ منا قد لا يصل الى 100 دولار؟ وتوفير متطلبات الحياة البديهية من غذاء وكهرباء وإنترنت أصبح معجزة.
بينما بعض ممن يتحكم بمفاصل القرار لا يهمه تأمين أي فرص للشباب، وهمه الأساسي ينحصر بتأمين وصول حاشيته والمقربين منه للسلطة، والبعض الآخر يعمل لخدمة قوى خارجية ولو أدى ذلك لتدمير الوطن.