رئاسة الجمهوريّة… مأساة لبنانيّة قديمة

1 أبريل 2021
خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

أخطأ من اعتقد يوماً ويخطئ من لا يزال يعتقد أنّ ميشال عون يمكن أن يتغيّر بوصوله الى موقع رئاسة الجمهورية، فيكون لكلّ اللبنانيين.

من اعتقد عاميْ 1989 و1990 أنّ صدّام حسين سينتصر على حافظ الأسد وسيُخرج القوات السورية من لبنان وسيوصله الى رئاسة الجمهورية، لا يمكن إقناعه عام 2021 أنّ “حزب الله” ومن خلفه الجمهورية الإسلامية سيفشلان في إيصال الصهر جبران باسيل إلى قصر بعبدا.

هناك مأساة لبنانية قديمة أخذت بعداً جديداً مع وصول ميشال عون الى موقع رئاسة الجمهورية وتجاوزه كلّ حدٍّ يمكن لسياسي لبناني، في موقع الرئاسة، تجاوزه، وخصوصاً لجهة تعاطيه مع رئيس الحكومة.

فلم يسبق أن قال رئيس جمهورية عن رئيس وزراء مكلّف بالصوت والصورة إنّه “كذّاب”، علماً أنّ كلّ الوقائع تثبت أنّ كلامه لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة.

تتمظهر هذه المأساة في عجز رئيس الجمهورية اللبنانية عن الربط بين أحداث المنطقة والتوازنات العالمية من جهة، بين الداخل اللبناني من جهة أخرى.

وتتجلّى هذه المأساة بأبشع صورها في عدم استيعاب الاحداث التي تدور داخل البلد المفلس الذي خسر كلّ مقوّمات وجوده، والذي يعود أحد أسباب إفلاسه إلى الجهل الذي يرشح كلّ يوم من قصر بعبدا.

إنّه جهل في كلّ شيء، خصوصاً في معرفة ماهيّة لبنان وخصوصيّة كلّ طائفة وركائز الاقتصاد اللبناني والأسس التي قام عليها البلد وأبقته حيّاً يرزق طوال مئة عام.

ليس ميشال عون أوّل رئيس لبناني يفتقر إلى الثقافة السياسية التي تسمح له برؤية ما يدور في المنطقة.

لكنّ فرادته تكمن في تفوّقه على كل الرؤساء السابقين في هذا المجال.

ومن سوء حظ لبنان وصول شخص مثل ميشال عون، وقبله سليمان فرنجيّة الجدّ، إلى رئاسة الجمهورية في ظروف إقليمية معقّدة تتطلّب شخصاً يمتلك ثقافة سياسية واسعة تتجاوز حدود لبنان.

ليس عيباً ألّا يكون رئيس الجمهورية ملمّاً بكلّ شاردة وواردة في المنطقة والعالم، لكنّ العيب في عدم استعانته بمستشارين يعرفون ألف باء السياسة والوضع الإقليمي.

لذا ليس مستغرباً وصول لبنان إلى ما وصل إليه بعدما صار جبران باسيل، الذي يريد تعليم دول العالم كيف يمكن إدارة دولة من دون موازنة، المستشار الأوّل، وربّما الأخير، لرئيس الجمهورية.

كم هو مسكين لبنان. مسكين بلد يأتي فيه ميشال عون في 31 تشرين الأوّل رئيساً للجمهورية مرشّحاً من قبل “حزب الله” الذي لا يؤمن أصلاً بلبنان ولا يرى فيه سوى ورقة إيرانية. وصل مرشّح “حزب الله” الى رئاسة الجمهوريّة بموجب ما سمّي “تسوية” تبيّن مع الوقت أن لا معنى لهذه الكلمة.

فقد كانت التسوية مبنيّة على لعب “التيّار الوطني الحر” دور “بيضة القبّان” في الحياة السياسية اللبنانية. ثم تبيّن أن لا وجود لبيضةٍ ولا لقبّان.

كلّ ما في الأمر أنّ “حزب الله” وضع يده على مؤسسات الدولة اللبنانية وعلى سياستها الخارجية من دون أن يستطيع رئيس للجمهورية توجيه سؤال من نوع: أين مصلحة لبنان في تخريب علاقاته بدول الخليج العربي؟ وأين مصلحة لبنان في أن يفعل الحزب كلّ شيء من أجل أن يكون النظام المصرفي للبلد مستهدفاً أميركياً وأوروبياً؟

هذا غيض من فيض الأسئلة التي يمكن توجيهها الى رئيس جمهورية يبدو أنّه لم يستوعب معنى انهيار النظام المصرفي اللبناني، ولا انعزال البلد عربياً ودولياً، ولا أبعاد تفجير مرفأ بيروت.

نحن أمام رئيس وجد من يقنعه بأنّ إيران هي مستقبل المنطقة وأن بشّار الأسد سيسيطر على سوريا وسيستعيد نفوذه في لبنان.

انتُخب ميشال عون رئيساً للجمهورية في مرحلة يعاد تشكيل المنطقة.

يحتاج لبنان دائماً إلى رئيس عاقل يزن الأمور بدراية ويعرف كيفية حماية لبنان من الداخل ومن الخارج، وكيف يمكن إبعاده عن تعقيدات المنطقة وأزماتها، بما في ذلك الأزمة السورية التي لا يمكن أن تنتهي إلّا برحيل بشّار الأسد ونظامه.

يبدو البلد مقبلاً على كارثة أكبر بكثير من تلك التي سبّبها انتخاب سليمان فرنجيّة الجدّ رئيساً عام 1970، وهو عام مفصلي على الصعيد الإقليمي.

عامئذٍ توفّي جمال عبد الناصر ودخلت مصر عصر أنور السادات، وانقلب حافظ الأسد على السلطة تحت شعار “الثورة التصحيحية”، وخرج المقاتلون الفلسطينيون والمنظمات الفلسطينية من الأردن وتوجّهوا الى لبنان بضغط من حافظ الأسد الذي كانت غايته تجميع الفلسطينيين في لبنان من أجل الإمساك بالورقة الفلسطينية تطبيقاً لمقولته الشهيرة “القرار الفلسطيني المستقلّ بدعة”….

عام 1970 وما تلاه، لم يكن رئيس الجمهورية في مستوى الأحداث الإقليمية.

ففي 13 نيسان 1975 وقعت حادثة بوسطة عين الرمانة وبدأت الحرب الأهليّة التي يتحمّل جانباً من المسؤولية عنها الزعيم الدرزي كمال جنبلاط وبعض القيادات السنّية والشيعيّة التي انحازت كلّياً الى الفلسطينيين واعتبرتهم جيش المسلمين الذي سيقلب النظام القائم.

يومذاك كان لبنان يحتاج أكثر من أي وقت إلى رئيس عاقل من طينة فؤاد شهاب، لا من طينة سليمان فرنجيّة الذي لا يمكن اليوم إلّا الترحّم على عهده بعد كلّ ما شهدناه في عهد ميشال عون وجبران باسيل الذي استطاع التفوق على نفسه بقناعته أنّ حقوق المسيحيين تُستعاد بسلاح “حزب الله” وبالمواقف النبيلة لبشّار الأسد الذي تحوّل بين ليلة وضحاها مثلاً أعلى له ولأمثاله!

المصدر أخطأ من اعتقد يوماً ويخطئ من لا يزال يعتقد أنّ ميشال عون يمكن أن يتغيّر بوصوله الى موقع رئاسة الجمهورية، فيكون لكلّ اللبنانيين. من اعتقد عاميْ 1989 و1990 أنّ صدّام حسين سينتصر على حافظ الأسد وسيُخرج القوات السورية من لبنان وسيوصله الى رئاسة الجمهورية، لا يمكن إقناعه عام 2021 أنّ "حزب الله" ومن خلفه الجمهورية الإسلامية سيفشلان في إيصال الصهر جبران باسيل إلى قصر بعبدا. هناك مأساة لبنانية قديمة أخذت بعداً جديداً مع وصول ميشال عون الى موقع رئاسة الجمهورية وتجاوزه كلّ حدٍّ يمكن لسياسي لبناني، في موقع الرئاسة، تجاوزه، وخصوصاً لجهة تعاطيه مع رئيس الحكومة. فلم يسبق أن قال رئيس جمهورية عن رئيس وزراء مكلّف بالصوت والصورة إنّه "كذّاب"، علماً أنّ كلّ الوقائع تثبت أنّ كلامه لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة. تتمظهر هذه المأساة في عجز رئيس الجمهورية اللبنانية عن الربط بين أحداث المنطقة والتوازنات العالمية من جهة، بين الداخل اللبناني من جهة أخرى. وتتجلّى هذه المأساة بأبشع صورها في عدم استيعاب الاحداث التي تدور داخل البلد المفلس الذي خسر كلّ مقوّمات وجوده، والذي يعود أحد أسباب إفلاسه إلى الجهل الذي يرشح كلّ يوم من قصر بعبدا. إنّه جهل في كلّ شيء، خصوصاً في معرفة ماهيّة لبنان وخصوصيّة كلّ طائفة وركائز الاقتصاد اللبناني والأسس التي قام عليها البلد وأبقته حيّاً يرزق طوال مئة عام. ليس ميشال عون أوّل رئيس لبناني يفتقر إلى الثقافة السياسية التي تسمح له برؤية ما يدور في المنطقة. لكنّ فرادته تكمن في تفوّقه على كل الرؤساء السابقين في هذا المجال. ومن سوء حظ لبنان وصول شخص مثل ميشال عون، وقبله سليمان فرنجيّة الجدّ، إلى رئاسة الجمهورية في ظروف إقليمية معقّدة تتطلّب شخصاً يمتلك ثقافة سياسية واسعة تتجاوز حدود لبنان. ليس عيباً ألّا يكون رئيس الجمهورية ملمّاً بكلّ شاردة وواردة في المنطقة والعالم، لكنّ العيب في عدم استعانته بمستشارين يعرفون ألف باء السياسة والوضع الإقليمي. لذا ليس مستغرباً وصول لبنان إلى ما وصل إليه بعدما صار جبران باسيل، الذي يريد تعليم دول العالم كيف يمكن إدارة دولة من دون موازنة، المستشار الأوّل، وربّما الأخير، لرئيس الجمهورية. كم هو مسكين لبنان. مسكين بلد يأتي فيه ميشال عون في 31 تشرين الأوّل رئيساً للجمهورية مرشّحاً من قبل "حزب الله" الذي لا يؤمن أصلاً بلبنان ولا يرى فيه سوى ورقة إيرانية. وصل مرشّح "حزب الله" الى رئاسة الجمهوريّة بموجب ما سمّي "تسوية" تبيّن مع الوقت أن لا معنى لهذه الكلمة. فقد كانت التسوية مبنيّة على لعب "التيّار الوطني الحر" دور "بيضة القبّان" في الحياة السياسية اللبنانية. ثم تبيّن أن لا وجود لبيضةٍ ولا لقبّان. كلّ ما في الأمر أنّ "حزب الله" وضع يده على مؤسسات الدولة اللبنانية وعلى سياستها الخارجية من دون أن يستطيع رئيس للجمهورية توجيه سؤال من نوع: أين مصلحة لبنان في تخريب علاقاته بدول الخليج العربي؟ وأين مصلحة لبنان في أن يفعل الحزب كلّ شيء من أجل أن يكون النظام المصرفي للبلد مستهدفاً أميركياً وأوروبياً؟ هذا غيض من فيض الأسئلة التي يمكن توجيهها الى رئيس جمهورية يبدو أنّه لم يستوعب معنى انهيار النظام المصرفي اللبناني، ولا انعزال البلد عربياً ودولياً، ولا أبعاد تفجير مرفأ بيروت. نحن أمام رئيس وجد من يقنعه بأنّ إيران هي مستقبل المنطقة وأن بشّار الأسد سيسيطر على سوريا وسيستعيد نفوذه في لبنان. انتُخب ميشال عون رئيساً للجمهورية في مرحلة يعاد تشكيل المنطقة. يحتاج لبنان دائماً إلى رئيس عاقل يزن الأمور بدراية ويعرف كيفية حماية لبنان من الداخل ومن الخارج، وكيف يمكن إبعاده عن تعقيدات المنطقة وأزماتها، بما في ذلك الأزمة السورية التي لا يمكن أن تنتهي إلّا برحيل بشّار الأسد ونظامه. يبدو البلد مقبلاً على كارثة أكبر بكثير من تلك التي سبّبها انتخاب سليمان فرنجيّة الجدّ رئيساً عام 1970، وهو عام مفصلي على الصعيد الإقليمي. عامئذٍ توفّي جمال عبد الناصر ودخلت مصر عصر أنور السادات، وانقلب حافظ الأسد على السلطة تحت شعار "الثورة التصحيحية"، وخرج المقاتلون الفلسطينيون والمنظمات الفلسطينية من الأردن وتوجّهوا الى لبنان بضغط من حافظ الأسد الذي كانت غايته تجميع الفلسطينيين في لبنان من أجل الإمساك بالورقة الفلسطينية تطبيقاً لمقولته الشهيرة "القرار الفلسطيني المستقلّ بدعة".... عام 1970 وما تلاه، لم يكن رئيس الجمهورية في مستوى الأحداث الإقليمية. ففي 13 نيسان 1975 وقعت حادثة بوسطة عين الرمانة وبدأت الحرب الأهليّة التي يتحمّل جانباً من المسؤولية عنها الزعيم الدرزي كمال جنبلاط وبعض القيادات السنّية والشيعيّة التي انحازت كلّياً الى الفلسطينيين واعتبرتهم جيش المسلمين الذي سيقلب النظام القائم. يومذاك كان لبنان يحتاج أكثر من أي وقت إلى رئيس عاقل من طينة فؤاد شهاب، لا من طينة سليمان فرنجيّة الذي لا يمكن اليوم إلّا الترحّم على عهده بعد كلّ ما شهدناه في عهد ميشال عون وجبران باسيل الذي استطاع التفوق على نفسه بقناعته أنّ حقوق المسيحيين تُستعاد بسلاح "حزب الله" وبالمواقف النبيلة لبشّار الأسد الذي تحوّل بين ليلة وضحاها مثلاً أعلى له ولأمثاله!