.. عذراً فخامتك، أنت لست مجرّد مواطن.. أنت رئيس.
الشكوى واللطم والندب أعمال يلجأ إليها المواطن المذبوح، والضحية، والجريح. ومن العيب أن يلجأ إليها في الجمهورية رئيس.
.. عذراً فخامتك، لم تحلف اليمين كي تصبح على الشاشات التلفزيونية مذيعاً أو مقدّماً لبرنامج “talk show” كمرسيل غانم، وجورج صليبي، وهشام حدّاد، أو متظاهراً ينشد المحاسبة والتغيير.
أنت لست ربيع الزين ولا أبا محمود شوك، ولا ناشطاً بارزاً من ثوّار جل الدّيب. أقسمت على حماية الدستور، فيما من هم حولك، عملُهم اليوميّ الدوسُ على الدستور، لا بل على كلّ الأعراف والقوانين.
هل استشرتَ اقتصاديّاً عن تداعيات أن ينشر الرئيس على الشاشات أوسخ الغسيل، أو استشرت سياسيّاً عن هول ما ينتظرنا عندما ينسى الرئيس أنّه رئيس؟
التدقيق الجنائي ليس مطلباً، بل حاجةٌ، وواجبٌ في كلّ القطاعات بالتوازي، من المصرف المركزي وصولاً إلى وزارة الطاقة، وكلّ ما فيها من دهاليز.
الشكوى واللطم والندب أعمال يلجأ إليها المواطن المذبوح، والضحية، والجريح. ومن العيب أن يلجأ إليها في الجمهورية رئيس
التدقيق الجنائي يبدأ من قصرك، من خلال جلسة عائليّة يجلس فيها صهرك، ومن معه شريكاً في كلّ هذا التدليس.
تسأله وتسألهم صارخاً: “قبل أن أحاسب البعيد، ماذا فعلتم بمليارات الكهرباء والبواخر والسدود التي لم تنجح بجعل مياه الأمطار وجداول الأنهار حبيسة خلف تلك الجدران التي شيّدت بمال الخزينة وودائع الناس وآلاف الملايين؟”.
هل تعلم يا فخامة الرئيس أنّ شعب لبنان لم يعد ذاك الشعب العظيم. مسكين هو شعبك أيّها الرئيس.
يتقاتل حول كيس سكر مدعوم، يقف بالطابور عند محطة البنزين. يقلب الدواء على الدواء، فالذهاب إلى الصيدلية هذه الأيام لشرائه يجعل الإنسان ذليلاً.
يتسوّل ماله من المصرف، وأطفاله يصرخون مهلّلين للكهرباء عندما تأتي.
شعبك يا فخامة الرئيس، أُمنيته أن تغادر أنت وصحبك وكلّ هذه المنظومة السياسيّة، موالاةً ومعارضةً، أو أن يرحل الشعب مهاجراً، كما فعل في مسرحية السيدة فيروز “ناطورة المفاتيح”.
هل تعلم يا فخامة الرئيس أنّ شعب لبنان لم يعد ذاك الشعب العظيم. مسكين هو شعبك أيّها الرئيس. يتقاتل حول كيس سكر مدعوم، يقف بالطابور عند محطة البنزين
التدقيق الجنائيّ لا يمكن أن يكون مهمّة للمتّهمين.
هو برنامج عمل سلطة انتقاليّة تتسلّم دفّة الحكم للعبور إلى الشاطئ الأمين. سلطة ليس فيها أنت ولا صهرك ولا أخصامك من دون استثناء، فكلّكم في قفص المسؤوليّة.
ألم تسمعوا شعار الناس في 17 تشرين.
نحن نعلم أنّك الرئيس، وأنّك الجنرال القائد السابق للجيش العظيم. لكنّنا نحن قبل كلّ ذلك الشعب الحزين.
ضع يدك بيدنا.
أحرج الجميع، واستقِل. وطالبهم بالاستقالة، ولنذهب إلى سلطة انتقاليّة، ليس فيها أيّ شخص مريب.
التدقيق الجنائيّ مسار طويل علينا أن نسلكه بالتوازي مع مسار عاجل يعيد للشعب الأمل بالحياة وبالمراهنة على المسار الطويل.
من يضمن ثقة الناس بالتدقيق إن قامت به سلطةٌ، الشكّ بنيّاتها وأفعالها لا يحتاج إلى تدقيق.
فخامة الرئيس شعبك لا يختصره صهرك جبران باسيل.
شعبك هو محمّد، وعليّ، وجورج، وفريد، وياسمين، ونهلا، ووداد، وحسن، وحسين، وعمر، وإيلي، وجرجس، وفيفيان، ووليد.
شعبك أحلامه مختصرة بكلمة وطن، لا لقب فخامة الرئيس.
كلّ المناصب لا معنى لها إن لم يبقَ وطن ليعيش فيه شعب ينتج رئيساً ونائباً ووزيراً.
فما عرف التاريخ رئيساً ينتج شعباً، فذاك مخالف لمنطق الحياة ولمسالك التدبير.
فخامة الرئيس، ثق أنّ الشعب لن يغادر. بل أنتم ستفعلون.