وهل تكفي التبريكات والهتافات لدعم أهالي القدس ؟

25 أبريل 2021
وهل تكفي التبريكات والهتافات لدعم أهالي القدس ؟
beirut news
عبد معروف

مع كل حراك شعبي فلسطيني في وجه الاحتلال الاسرائيلي ، تنطلق المظاهرات والوقفات التضامنية ، وتطلق التصريحات وتصدر البيانات ، وتعم الهتافات والأغاني والأهازيج الوطنية ، كأن هذا الحراك المبارك هو كل الأحداث ، وهو بداية التاريخ وينتهي به أيضا .

تعم المسيرات والوقفات التضامنية مع “هبة القدس” ، داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وداخل المدن والقرى الفلسطينية داخل الوطن المحتل ، وتطلق التصريحات والبيانات التمجيدية لهذه الهبة المباركة في المدينة المقدسة .
يدخل الشعب الفلسطيني تجربة “هبة القدس” كمحطة نضالية تؤكد مجددا على استمرار الثورة الفلسطينية في وجه الاحتلال ، ورفض هذا الشعب العظيم ليس ممارسات الاحتلال فحسب ، بل رفض الاحتلال بكل ما فيه من سيطرة استيطانية عنصرية، وإيمانا من هذا الشعب الثائر أنه لن يستكين ، وأن هذه الأرض عربية ، وأن النضال هو السبيل الوحيد لدحر الاحتلال وتحرير الأرض ، ذلك لأن هذا الشعب الذي لم يتوقف نضاله أبدا ، يعلم جيدا أن لا تعايش مع هذا الاحتلال العنصري وأن سياسة هذا العدو الذي كشفت كل أوراقه وادعاءاته ، لم تكن ولم تعد تحتمل ، وبالتالي فإن الصراع في الميدان مع الاحتلال هو صراع وجود ، وليس نزاع على حدود أو نقاط في التسوية أو بنود .

ورغم ذلك ، وأمام هذه التجربة المجيدة ، يدخل الشعب الفلسطيني في “هبة القدس” دون تقييم تجارب المراحل الماضية ، تجربة الانتفاضات منذ ما قبل 1987 ، و2000 وغيرها من الهبات والانتفاضات التي شهدتها الأراضي المحتلة ، أين نجحت وأين أخفقت ، وما آلت إليه التطورات من إيجابيات وسلبيات ؟
كما أن الشعب الفلسطيني في القدس يدخل تجربته الحالية طبعا بكل صدق وعفوية وطنية رفضا للإحتلال وسياساته ، في وقت القوى السياسية الفلسطينية تعيش مرحلة الضعف والانقسام والترهل ولكل فصيل خياراته وسياساته وتحالفاته وعلاقاته الخارجية.

“هبة القدس” ثورة مجيدة تؤكد على أن الفلسطيني لن يرض بالذل والاحتلال ، ولن يوقف نضاله قبل تحرير وطنه ودحر الاحتلال ، وأن هذا النضال سوف يستمر ، لكن ما يجعل من التمجيد المبالغ به عملا له ، ويشغل نفسه بالتبريكات والمهرجانات والخطابات والتصريحات ، ويجعل من أهالي القدس قوة خارقة يمكن الاعتماد عليها في هزيمة الاحتلال وتحقيق النصر فهو كشخص أو كفصيل سياسي ، إما أن وعيه سطحي ومزيف ، وإما أنه يعلم واقع الحال وبالتالي يتهرب من مسؤولياته ومن الواجب الذي يتوجب عليه القيام به دعما للأهالي القدس .

التمجيد والتبريكات المبالغ فيه وتحميل أهالي القدس ما لاطاقة لهم به والقول عنهم أنه أبطال خارقين ، هو تهرب القيادات والفصائل والنخب من مسؤولياتها .

القدس جزء من وطن ، وقضية القدس هي جزء من قضية وطن ، وأهل القدس هم جزء من الشعب الفلسطيني ، لا يمكن لمن هم خارج القدس أن يتركوا أهلها وحيدين في ميدان الصراع مع عدو قوي ويمتلك اوراق القوة والتخريب والقمع والتنكيل، وبالتالي فالدفاع عن القدس لا يكون بالهتافات والتبريكات والبيانات الرنانة ، بل بعمل ثوري محدد البرنامج تضعه القوى السياسية وتعمل على تنفيذه ، يبدأ في تأجيج الصراع مع الاحتلال وتعزيز قدرات الشعب ورفع مستوى وعيه وحشد طاقاته وتنظيم صفوفه ، وإخراج الأمراض الاجتماعية والنفسية والثقافية ووضع حد للتخلف والجهل والهجرة الجماعية والمخدرات وتحويل طاقات الشباب إلى طاقات فاعلة خدمة للقضية .

وعلى القوى السياسية الفلسطينية أن تعزز من دورها الوطني ، وتخرج من الشعارات والصور والامتيازات والمهرجانات وتبحث عن أساليب نضالها وهذه مسؤولياتها .

وتعمل من أجل وحدتها في إطار مشروع وطني ، يضع هبة القدس اليوم في إطار المشروع الوطني الفلسطيني العام ، وذلك من خلال ميادين الصراع مع الاحتلال في الضفة وغزة ، وتصعيد العمليات العسكرية ضد مواقع الاسرائيلية ، ليست كردة فعل على ما يقوم به الاحتلال ، بل كعمل ثوري من اجل دحره وتحرير الأرض.

وعلى الجماهير الفلسطينية ، في الوطن والشتات ، أن تبتكر أساليب نضالها ليس دعما لهبة القدس فحسب ، بل من أجل تصعيد النضال الفلسطيني ضد الاحتلال ، ووضع القضية الفلسطينية في إطار النضال العربي العام وإعادة فلسطين إلى موقعها الطبيعي كقضية مركزية للعرب .

هذه مهمات الحركة الوطنية الفلسطينية ، وهذا هو دورها ومسؤولياتها ، أن تعلم كيف تخطط وكيف تعمل وكيف تحشد طاقات الشعب في ميادين الصراع ، وإن لم تفعل ذلك ، فماذا تفعل ؟ وهل يصرف لها ألأموال والمكاتب والموزنات والسيارات من اجل التكريم والتبريك والتهاني والخطابات ورفع الشعارات وإصدار البيانات فحسب؟ ، وهل يكفي القدس وهبة أهالي القدس اليوم ، أن تجلس القطاعات الفلسطينية وفوى الشعب الفلسطيني والعربي على مدرج ملاعب الصراع للتصفيق لبطولات أهل القدس وكفى من هم خارج القدس شر الثورة ؟
كثيرون هم الذين يسألون خاصة أولئك من هم في الشتات ، ماذا يمكننا أن نفعل ؟ للأسف أن هذه دعوات لليأس والاحباط والعجز ، فالقدس كباقي الأراضي الفلسطينية ، وهي قضية كل الفلسطينيين ، كما هي الضفة وغزة والأراضي المحتلة عام 1948 ، يمكن لهذا الشعب أن يفعل الكثير ، وفي الشتات مثلا تعزيز الموقف الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال وتحويل الشعارات والهتافات إلى عمل سياسي منظم وواع ، بعيدا عن الوهن واليأس والاحباط ، ووضع حد لحالة الانهيار التي أصابت الحركة الوطنية الفلسطينية وانعكست سلبا على واقع الشعب الفلسطيني ، ما أدخل في جسده المراض والفيروسات من المخدرات واطلاق النار العشوائي والهجرة غير الشرعية .

وبالتالي ، فإن حملات التمجيد المبالغ فيها وتحميل أهالي القدس ما لا طاقة لهم به ، هو هروب من المسؤولية ، فالفصائل الفلسطينية تبحث اليوم عما يشغلها ويدفعها للبروز على وسائل الاعلام ويحرك ماكيناتها الاعلامية ، والشعب خارج القدس يبحث عن ميادين النضال ، ويبحث عن انتصار يعزز له مكانته وكرامته في ليل الهزائم .

لذلك ، على الجميع وضع “هبة القدس ” في مكانها ومكانتها الطبيعية بعيدا عن الوهم ، ودعم “هبة القدس” لا تكفيها الشعارات والهتافات والبيانات ، لأنها حراك ثوري يتطلب عملية سياسية منظمة تعزز قدرات الشعب وتنظم صفوفه وترفع من مستوى وعيه وتخرجه من حالة اليأس والاحباط التي أصابت جسده ، فحالة الانقسام والجهل والفساد المجتمعي والسياسي ، وحالة الضعف والوهن ، لا يمكن لها أن تساعد في دعم “هبة القدس” حتى لو صدقت النوايا ومن يريد دعم نضال أهل القدس عليه أن يؤدي ما عليه ويتحمل مسؤولياته بما يتجاوز الخطاب والشعار والتمجيد والتبريك.

المصدر خاص بيروت نيوز