هدد وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، القيادات اللبنانية، بمزيد من العقوبات الفرنسية تستهدف شخصيات وجهات لبنانية تعمل على عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة.
وقال الوزير الفرنسي خلال اجتماعه مع عدد من الاعلاميين في بيروت، أن العقوبات التي أعلنتها باريس ليست الا بداية الطريق في مسار عقوبات متشدد.
وأوضح أن فرنسا ستدعو المجتمع الدولي إلى الضغط لاجراء الانتخابات النيابية اللبنانية في موعدها، مشددا على أن المسؤولين اللبنانيين لم يلتزموا التعهدات التي قطعوها أمام الرئيس الفرنسي.
صحيح أن كلام وزير الخارجية الفرنسية، يشير إلى جدية الموقف اتجاه لبنان، أو يؤكد أن فرنسا جادة بإيجاد معالجات للأزمات اللبنانية المتراكمة وفي مقدمتها تشكيل حكومة لبنانية تعمل بشكل جاد وحازم من اجل إنقاذ لبنان ووضع حد للانهيار المالي والمعيشي الذي يكتوي به اللبنانيون كافة، كما أن زيارة وزير الخارجية وتهديداته يؤكد أن فرنسا مازالت مستمرة في مبادرتها لمعالجة القضايا المستعصية في لبنان، لكن الأمل الفرنسي في واد والواقع اللبناني والاقليمي في واد آخر.
فالأطراف والأحزاب والتيارات اللبنانية كافة لا تنام فقط على الكتف الفرنسي، بل هناك أياد عربية وإقليمية ودولية أخرى ينام عليها الفرقاء، ينتظرون موقفها ورأيها ويسمعون كلمتها، وهذه الأطراف جميعا قوية بتحالفاتها وطوائفها وأسلحتها وأزلامها، ويمكن لها أن تشكل عقبة أمام أية معالجات لا تلبي مصالحها وأهدافها، وتضمن لها بقاءها وحصصها الطائفية.
فوزير الخارجية الفرنسي، وصل إلى لبنان بعد أقل من تسعة أشهر على زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى لبنان، وأطلق فيها الوعود والتوبيخات والتهديدات في حال لم تشكل الحكومة اللبنانية ، ورغم ذلك ورغم ما يتحدث عنه الفرقاء اللبنانيين من تأييدهم للمبادرة الفرنسية، فمازال البلد بحالة انهيار بل ازداد انهيارا خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو مهدد بمزيد من الانهيار، ما يجعل المواطن اللبناني يقف مذهولا أمام هول ما يجري.
زار الرئيس الفرنسي ماكرون لبنان قبل تسعة أشهر وغادرها، اليوم يزور وزير خارجيته لبنان، يلتقي المسؤولين اللبنانيين ويطلق التصريحات والتهديدات وسيغادر، ويبقى لبنان يكتوي بنار الانهيار والأزمات المالية والمعيشية، وهذا ما يجعل كافة الوعود والتهديدات والزيارات دون قيمة إن لم تسر في طريق يؤدي بالنهاية ليس لإنقاذ السلطة، بل لإنقاذ الشعب والوطن.
فرنسا تعلم أن ليس لديها القدرة وحيدة على إنقاذ لبنان ووقف حالة الانهيار، فالأطراف الداخلية وحلفائها في الخارج(لا إستثناء لأحد) أقوى من فرنسا في الداخل اللبناني وأقوى من مبادرتها، ويمكن لها إفشالها، وإذا كانت فرنسا جادة في إيجاد المعالجات للأزمة اللبنانية، فهي بحاجة لتحالفات ودعم دولي، لا يبدو متوفر حتى الآن من واشنطن، أو من الأمم المتحدة، لذلك ربما تتجه فرنسا لكسب دعم وتأييد أوروبي يسند مبادرات ربما تكون ميدانية في لبنان أو يدعم العقوبات التي ربما تعمل فرنسا على تصعيدها ضد الشخصيات والجهات اللبنانية التي ترى أنها تعرقل تشكيل الحكومة.
وإذا ما وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أن هناك ضرورة لمعالجة الأزمة اللبنانية تمهيدا للانخراط بالمخططات التقسيمية وتوزيع المصالح ومناطق النفوذ مع موسكو، (كما جرى من مصالحات وتسويات ووقف الحرب في لبنان قبيل مؤتمر مدريد) فإن واشنطن ودون التحالف مع فرنسا ودون انتظار قرارات مجلس الأمن لحل الأزمة اللبنانية، ستعمل واشنطن على التدخل العسكري المباشر في لبنان، اولا من خلال إقامة معسكرات ومواقع عسكرية أمريكية على الحدود اللبنانية السورية، لمحاصرة حزب الله وإجباره على الانخراط بمخططات التقسيم والتفتيت بين واشنطن وموسكو في المنطقة من بغداد إلى دمشق وصولا إلى بيروت.
ذلك لأن الوضع المتفجر اجتماعيا ومعيشيا والذي سيؤدي حتما إلى تفجير أمني واسع لا يتناسب مع مخططات وتقسيمات وحلول موسكو وواشنطن في المنطقة، وستعمل واشنطن على التدخل لإقفال الحدود بين لبنان وسوريا كورقة ضغط عسكرية وميدانية تستهدف محاصر حزب الله برضى وموافقة من موسكو مقابل سيطرة موسكو على سوريا وسيطرة واشنطن على العراق، ويكون لبنان ورقة ترضية للفرنسيين بعد إضعاف القوى اللبنانية وإجبارها على الانسياق.
ولكن هل هذا الأمر سهلا، الدوائر المختلفة تخطط وترسم وتفكر كل في ميدانه، وهناك اتصالات وزيارات سرية وعلنية تحاول فهم ما يجري والاتفاق على خريطة ربما لا تلد إلا قيسريا.