المعروفان في عمان..

8 مايو 2021
المعروفان في عمان..
عبد معروف_فخري قعوار
عبد معروف_فخري قعوار

مقال كتبه الأمين العام السابق للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب والنائب السابق في البرلمان الأردني الأستاذ فخري قعوار في صحيفة الرأي الأردنية يوم 15 آب1992.

فخري قعوار

عبد معروف، كاتب وصحفي فلسطيني يعيش في بيروت، ومعروف في الصحافة اللبنانية و الصحافة العربية المهاجرة، عرفته في اوائل هذا العام (1992) حين شاركت في المؤتمر الثاني لإتحاد الكتاب اللبنانيين، وشكا لي من اضطهاد الحكومات العربية لوثيقة السفر الفلسطينية، واعرب عن ضيقه بهذه المعاملة التي تحول بينه وبين رؤية أخيه في المغرب أو خاله في عمان أو إبن عمه في العاصمة العربية أو تلك.. وعبد معروف، من ذلك النوع من البشر الذي لا يعجز عن الدخول إلى القلب، ولا يعجز عن إرغامك على إدخاله في قائمة الأصدقاء المقربين، إلى جانب سعة ثقافته ومثابرته على المتابعة والاطلاع على ميادين الفكر والابداع والسياسة.
وبعد رحلة بيروت، سافرت إلى المغرب لألتقي في بهو الفندق بشاب قدم نفسه لي بإسم”محمود معروف” وفي مقارنة سريعة بين محمود وعبد، لم تستغرق أكثر من جزء يسير من الثانية، بادرته قائلا:
أنت أخو عبد معروف !
فقال.. نعم وفرح، لأنني أعرف أخاه وفرحت وجدت شقيق صديق عزيز، ما لبث أن صار محمود صديقا آخر في قائمة الأصدقاء المقربين.. وهو مثل أخيه، معروف في الصحافة المغربية والصحافة العربية المهاجرة وفي بعض الأحيان يرى أحدهما صورة الآخر في صحيفة وافدة من أوروبا.

وقبل أسبوعين اتصل بي محمود معروف من مطار عمان وأخبرني بأنه ما بعمان إلى بغداد ويبلغني أنه سيمكث في بعمان لعدة أيام هو وأسرته قبل أن يتوجه إلى العراق، فاقترحت عليه أن يتابع سفره وأن يتوقف في عمان إثناء عودته من العراق، وذلك لسببين: أولهما أنه يتصل بي في يوم عطلة رسمية وأظنه كان يوم جمعة، وثانيهما أنه أخبرني أن أمن المطار أعد له سيارة لنقله من المطار إلى الحدود العراقية .. وبالفعل وافق محمود على وعد مني بأن أهيئ له الأمر لتسهيل دخوله يوم 18 آب 1992.
المفارقة في هذه الرواية أنني فوجئت بوجود صديقي الصحفي عبد معروف في عمان قادما من بيروت للمشاركة في تغطية أعمال مخيم الشباب القومي العربي في عجلون شمال الأردن، والمفارقة الأبعد .. أن عبد لا يعلم أن أخاه مر بعمان وأنه عائد إليها يوم 18 آب، وحين رويت له ما حدث مع محمود أصيب بنوبة فرح عجيبة، وراح يحكي لي عن ذكرياته مع شقيقه عندما كان هو وأشقاؤه الآخرون ينامون على مجموعة فرشات متلاصقة في بيت ضيق واحد يظله سقف واحد .

وقرر عبد أن يؤجل سفره من عمان إلى بيروت الذي كان مقررا يوم 17 آب.

هذه ليست رواية سياسية وإنما هب رواية واقعية خالية من أية بهارات أو إضافات. أبطالها أشخاص طيبون ومثقفون ولا يقبلون بمشروع الوطن البديل، ولا يعتزمون تغيير مكان إقامتهم، ولا يحلمون بغير فلسطين وطنا لهم، وكل ما يبتغيه عبد الذي حل ضيفا عندي، في منزلي أن يرى شقيقه محمود وزوجته وأولاده.

رويت ذلك كله لأقدم نموذجا من نماذج الشتات الفلسطيني وصورة من صور المأساة الفلسطينية.

لقد كان بالامكان أن يكون عبد معروف ومحمود معروف في عمان في وقت واحد، ولا يعرف أحدهما عن الآخر أنه في المدينة نفسها. وقد يصطدم كتف عبد بكتف محمود في أحد شوارع عمان دون أحد يعرف الأخ أنه اصطدم بكتف أخيه وقد تمضي بقية العمر دون أن يرى أفراد الأسرة الواحدة بعضهم البعض الآخر.

أليست هذه ذروة العذاب والأسى ؟؟

المصدر بيروت نيوز