
تزداد الأوضاع في لبنان تعقيدا، ولا يبدو أن هناك حدا قريبا للانهيار الذي أصاب القطاعات اللبنانية المختلفة، وأدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية، وفقدان العملة الوطنية لقيمتها أمام العملات الأجنبية، وهجرة الأطباء والكفاءات العلمية، وإحباط عام في نفوس المواطنين.
وما نؤكده هنا، ليس دعوة لليأس أبدا، بل هو دعوة لقراءة الواقع اللبناني بشكل دقيق، حتى يعلم المواطن على أي صفيح ساخن يحترق، ولتعلم الجهات المعنية إلى أين يتجه المركب اللبناني بمن عليه وبمن فيه من أجل تحرك عاجل يضع حدا لحالة الاستعصاء السياسي وينقذ البلاد ويضع حد للانهيار.
أيا تكن مواقف الأطراف الداخلية من تصاعد وتعقيدات الأزمة اللبنانية، وأيا تكن الاتهامات والمتبادلة، فإن للأزمة اللبنانية أبعاد خارجية ، وترتبط كما أكدنا في أوقات سابقة بتطورات الأوضاع الاقليمية، سواء اعترفت الأطراف اللبنانية بذلك أم لم تعترف، فالأطراف اللبنانية ترتبط بأطراف ودول خارجية، والحرب اللبنانية عام 1975 على الأقل كانت لها أسباب ودوافع وارتباطات خارجية، وجاءت الحلول في الطائف والدوحة لتؤكد أن معالجات الأزمة لا تكون إلا من الخارج ، ثم جاء الاعمار بأموال خارجية، واعتمد الاقتصاد اللبناني على المساعدات والهبات والقروض والودائع الخارجية، وعندما أطلق مقاومته التي قدمت التضحيات من أجل تحرير الأرض، أيضا كان الاعتماد على الخارج.
وإذا تعرض لبنان لعدوان يطالبون بتدخل الخارج، وإذا مااتجه لبنان إلى الاعمار والسلام يطالب بدعم الخارج، في البناء والسياحة والودائع والهبات .. هذا هو تاريخ لبنان، وهذه هي وقائع الأحداث.
ولا شك بأن التدخل الخارجي في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية اللبنانية كان له انعكاسات أدت حتما إلى وجود كل الدول على أرض لبنان، وعندما تتصارع هذه الدول وتختلف، تختلف دائما وتتصراع على أرض لبنان وتجعل من لبنان صندون بريد لتوجيه الرسائل، ومن يتجرأ بأن يقول لا إذا كانت لقمة عيشه وأمواله من هذه الدولة أو تلك.
اليوم، وعندما يطرح الحل الدولي للأزمة اللبنانية أو تطرح المبادرة الفرنسية، يسارع البعض لرفضها، ولكن ليس من منطلق الحرص على السيادة أو رفض التدخل الخارجي وحفاظا على أمن الوطن، بل لأن هذا التدخل ليس في مصلحة هذا الطرف أو ذاك، ولأن التدخل من جهة مختلفة مع هذه الجهة أو تلك.
ورغم كل هذا الرفض للتدخل الخارجي من الشرق أو الغرب، فالأطراف اللبنانية”يتمنعن وهن راغبات” ولكن كل حسب ارتباطاته ومصالحه.
اليوم، وصلت الأوضاع في لبنان إلى حد لم يعد يحتمل، ولا يمكن للأطراف السياسية اللبنانية أن تتحمل مسؤولية ما يجري أمام الحديث عن صدمات رفع الدعم وارتفاع الاسعار وفقدان المواد والأدوية، وانقطاع الكهرباء وحالة الفوضى في الأسواق .
لذلك فعيون الأطراف اللبنانية تتجه مجددا إلى ما يجري الاعداد له من حلول على مستوى المنطقة، ترحيبا بالتقارب الايراني السعودي، وتمجيدا بالتقارب الامريكي الايراني، وتعظيما بالدور الفرنسي، وغيرها.
لكن ما يجري ربما يكون خطيرا، يكرس الطائفية مجددا، ويكرس سيطرة طائفة على أخرى برعاية خارجية، ويجعل لبنان مرهونا أكثر من أي وقت مضى بمخططات الدول الأجنبية، ما يؤدي إلى تقسيم جديد في المنطقة من العراق وحتى لبنان مرورا بسوريا خالية من قوى المقاومة، وما يؤدي أيضا إلى اعتراف من هذه الدول بالكيان الصهيوني، مقابل جوائز ترضية تمنح لهذا الفريق دون ذاك مقابل تنازلات مؤلمة وكفى الله المؤمنين شر القتال.
بهذه المعالجات سيجد الجميع الجميع والجميع نفسه منتصرا وسيرفع شارات النصر، فالنظام في سوريا بقي على رأس السلطة، والمقاومة الاسلامية في لبنان اكتسبت الاعتراف وأكدت أنها الأقوى في لبنان، ولا يمكن تجاوز خياراتها، والولايات المتحدة وإسرائيل ضمنت التخلي عن السلاح الثقيل أولا ، وعزلت القضية الفلسطينية مقدمة لتصفيتها النهائية، وتوقفت الحرب في اليمن، هكذا ينعم من جمع المال والثروة والسلطة والسيطرة حتى لو ضاع الوطن.
ولكن أليس هذا تدخلا أجنبيا يستهدف السيادة الوطنية؟ وهل يختلف عن التدخل السوري أو الاسرائيلي أو السعودي أو الايراني أو الأمريكي، إذا ما كان الهدف كما هي الاتهامات المتبادلة بين الأطراف اللبنانية المختلفة هو التدخل الخارجي؟