وهكذا ينغمس لبنان أكثر فأكثر في العبثية القاتلة، سياسياً وثقافياً وديبلوماسياً، اقتصادياً ومالياً.
وإلى جانب هذا كله لا يمكن إغفال التطورات في فلسطين، واستنفار حزب الله على الجانب اللبناني من الحدود، مع تأكيده أنه لا يريد إشعال الجبهة.
فضيحة وهبة
واستجدّ أول من أمس موقف وزير الخارجية شربل وهبة، مسيئاً إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
وهي إساءة كفيلة بتفجّر أزمة ديبلوماسية.
صحيح أن التبرؤ من مضمون موقفه تسارع، وسارع هو نفسه إلى الاعتذار.
لكن هذا يكشف عن عطب سياسي وفكري لبناني، يطاول الجهة التي تتبنى وجهة النظر هذه أو الفضيحة، وإن لم تكن تفصح عنها.
وهذا أكبر دليل على انخراط لبنان في سياسة المحاور، وتبني لغة محور ضد آخر.
وتتجاوز المشكلة حسابات عمل اللبنانيين في الخليج والنقاشات التي دارت حولهم.
فتجنب إطلاق هذا الموقف درءًا لتضرر اللبنانيين في الخليج، كشف عن المشكلة الأساسية: الاقتناع بالموقف وكتمانه خوفاً من تداعياته.
وهناك أيضاً افتقاد أصحاب الموقف هذا الحد الأدنى من الثقافة السياسية، وعدم معرفتهم الصراع الشديد بين دول الخليج والتنظيمات الإرهابية، كتنظيم داعش.
الجهل والشتيمة
والجهل هذا عملت جهات عديدة، إقليمية ودولية، على ترسيخه في عقول لبنانيين، كترجمة عملانية لمواقف سياسية يطلقها التيار الذي ينتمي إليه وزير الخارجية.
وذلك تحت شعارات التحالف المشرقي، واللعب على وتر “الصراع الحضاري” بين المشرقي والخليجي أو “البدوي”، وفق توصيف وزير الخارجية، الذي استخدم الصفة كشتيمة.
والحادثة تدلّ على افتقار الحد الأدنى من الثقافة السياسية والاجتماع السياسي. وهناك جهات تقتنع بهذا الموقف كنوع من التمييز الثقافي أو الفكري عن “الآخر”.
وتصوير العرب السنّة بأنهم دواعش وأصحاب مشروع إرهابي تدميري.
إنه الأسلوب الذي اعتمده التيار العوني ضد تيار المستقبل، عندما وصفه بداعش يرتدي ربطة عنق.
وهذا في معرض ابتزاز الحريرية السياسية، أو الاعتدال السني.
وكان هذا ترجمة لمواقف وزارة الخارجية أيام تولاها جبران باسيل، متضامناً مع إيران رافضاً التضامن مع العرب، في إطار ثقافة تحالف الأقليات، ومتقمصاً خطاب أتباع الأسد.
مناورات عونية
ومن غير المعروف كيف تنتهي هذه المشكلة، وما هو قرار السعودية المرتقب؟ والأكيد هو تفاقم عزوفها عن تقديم مساعدات للبنان، على وقع استمرار الأزمة السياسية القائمة، والمنعكسة في عرقلة تشكيل الحكومة: من الخلافات المستمرة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، إلى إرسال رئيس الجمهورية رسالة إلى المجلس النيابي تحمل سعد الحريري مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، ورميه الكرة في ملعب مجلس النواب لحمله على اتخاذ إجراءات في مواجهة التعطيل.
فما يريده عون هو تحميل مسؤولية تكليف الحريري للمجلس النيابي، طالما أنه غير قادر على سحب التكليف منه.
ويقول عون في أوساطه: على الحريري أن يعود إلى لبنان لمعالجة مشكلة الحكومة، موحياً بانه جاهز للتفاهم. وهذا ما يعتبره مقربون من الحريري مناورة عونية لتحميل الحريري المسؤولية، في إطار الحملة السياسية المستمرة عليه.
رد بري والحريري
وجهز رئيس مجلس النواب ردّه على رسالة عون: حصل التكليف بناء على الاستشارات النيابية الملزمة.
ورئيس الحكومة المكلف هو من يشكل الحكومة.
ولا مجال لسحب التكليف منه.
وخطوة عون تستدعي المزيد من التوتر مع برّي. ويستمر الحريري في زياراته الخارجية.
وتشير معلومات إلى أنه عاتب على الفرنسيين والبريطانيين الذين ساووه بباسيل وتعطيله.
فيما لم يقدم سوى التسهيلات والتنازلات.
وهو يستند على موقف مصري وإماراتي وروسي وحتى أميركي، للثبات على موقفه.
رسائل حزب الله
لا يخرج ما يجري على الساحة اللبنانية عن إطار العبثية والمزيد من الانهيار.
وتستمر الأنظار شاخصة إلى المعركة الفلسطينية، فيما تستمر تظاهرات التضامن مع فلسطين في لبنان، إضافة إلى بعض التحركات على الحدود.
ولا يمكن إغفال مسألة إطلاق الصورايخ في اتجاه الأراضي المحتلة.
وعلى الرغم من أن حزب الله لا يتبناها ويتبرأ منها، فإنها تأتي في إطار رسائل متعددة الاتجاهات: أولاها أن حزب الله ليس حرس حدود، ومن يريد أن يقاوم فليفعل.
وثانيتها توجيه رسائل أمنية لإسرائيل، مفادها أن أي تصعيد أو خطأ في الحسابات يجعل الجبهة اللبنانية جاهزة للاشتعال.
وهناك أيضاً تأكيد أن لا قرار ولا رغبة لدى الحزب بذلك.
ولا يغيب أن إطلاق الصواريخ يندرج في سياقات المعركة داخل فلسطين، والتلويح بإمكان الإسناد السياسي المغلف ببعد عسكري، في إطار الدعم المعنوي للمقاومة الفلسطينية.