لا تختلف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العاصمة بيروت، عن باقي المناطق اللبنانية، ولا تختلف صورة الاذلال التي يتعرض لها اللبناني في بيروت، عن الاذلال الذي يتعرض له في مناطق أخرى من لبنان من شماله إلى جنوبه وبقاعه وجبله .. ذلك لأن الانهيار الذي يضرب الوطن وشعبه، يضربه بكل ما فيه، ما يجعل الشعب يقف طويلا في طوابير أمام محطات البنزين، أو يمضي وقته لساعات بين الصيدليات بحثا عن الدواء …
أبواب جهنم فتحت على مصرعيها ، وطن مهدد بالعتمة، وفقدان الأدوية وإقفال الصيدليات والمستشفيات، شعب مهدد بالاذلال والجوع والمزيد من الافقار والنهب.
جنى عمر المواطن نهب في وضح النهار، ومعاشه الشهري لم يعد يكفيه ثمن خبز لأطفاله، ثمن المواد الغذائية من لحم وحليب وخضار وفاكهة يرتفع بشكل جنوني ، حياة لم يعيشها اللبناني حتى أيام الحرب.
أقفلت أمام اللبناني كل الأبواب، حتى الصراخ لم يعد يسمح به، لم يعد صراخ ثورة وغضب، بل صراخ إذلال، يسأل فيه عن رغيف خبز، ودواء ولقمة عيش لأطفاله..وهو يعلم أنه يطلب المستحيل.
أعداد من هذا الشعب ممن تيسر له تكاليف السفر، يغادر البلاد، وأعداد أخرى ” طحالب” أفسدت وتمكنت من التعايش على ضفاف الأحزاب والسلطات الحاكمة مقابل الفتات، لكن بالنهاية لن يتمكن كل الشعب من الهجرة والسفر، والسلطات والأحزاب المسيطرة لا تستطيع توفير الفتات إلا لفئة من المتنفعين حولها، أما القطاعات الواسعة من الشعب، فلن تتمكن من السفر ولن تتمكن من الحصول على الفتات من حكام الزمن القائم.. لذلك فهي تعيش اليوم حالة من الضياع، والصراخ.
مسكين هذا الشعب الذي مات في الحرب، وجاع في السلم، ويطلبون منه الصبر والتحمل ليس في معركة مع الاحتلال ولا على صراع مع الانتداب، بل الصبر على حالة الجوع والنهب والفساد التي تعرض لها.
لكن الشعب يريد حقوقه وحياة حرة كريمة، يريد دولة عادلة بعيدا عن الطائفية والمذهبية والمحسوبيات وسيطرة الزعامات، يريد وطنه آمنا مستقرا مزدهرا بعيدا عن الموت والتجويع والقهر والاذلال.