فؤاد شهاب أين أنت؟

16 يونيو 2021آخر تحديث :
فؤاد شهاب أين أنت؟
فاتن الحاج حسن
فاتن الحاج حسن

تعتبر الازمات والظروف التاريخية خير معلم للأشخاص والمدراء والشعوب على حدٍ سواء، وقد يصل الامر حتى الرؤساء، لكن ماذا يحدث إن أغفلنا الجانب التاريخي أطلقنا العنان لأنفسنا في الاجتهاد تارة وفي الفتوى من غير علم تارة أخرى، وذلك في سبيل تمجيد الأنا على حساب المصلحة العامة.

في ضوء هذا الكلام سأعرض للأوضاع السياسية التي مرّ بها لبنان في الفترة أواسط القرن العشرين فقد عانى من أزمة سياسية خانقة كادت تودي بالبلد إلى حرب أهلية عشية اغتيال الصحفي نسيب المتني المعارض لسياسة الرئيس كميل شمعون، والذي أشعل الشارع في لبنان، وذهبت الأمور إلى التأزم مما جعل البلاد بحاجة إلى مخلّص لكي ينقذ ما تبقى من البلاد بعد الاحداث تلك فكان الجنرال فؤاد شهاب.

  فقد ورث الرئيس فؤاد شهاب إدارة حكومية ضعيفة ومتخلفة متأثرة بالكثير من الأنظمة والقوانين القديمة، حيث عمل الرؤساء السابقين على غض الطرف عن الفساد وتوسيع نفوذ حاشيتهم لمصلحة الوطن، الأمر الذي أدى إلى تفشي الفساد والرشوة والمحسوبية، وما أشبه الامس باليوم،  كما كانت المناصب تعطى لمن افتقر إلى الكفاءة، فعمل، الرئيس شهاب، على إزالة مكامن الخلل في المجتمع اللبناني وإدخال مفهوم العدالة الاجتماعية في منهج الحكومة اللبنانية، وتكوين مجتمع يسوده القانون والمساواة والعدالة الاجتماعية والتنمية أخذاً بنظر الاعتبار الموارد الطبيعية والطاقات البشرية.

لعب الجنرال شهاب دوراً محورياً في إخراج البلاد من الأزمة تلك وذلك نتيجة لعدة أسباب على رأسها الخبرة السياسية والعسكرية الناتجة عن الإرث الكبير لعائلة شهاب في لبنان، وكذلك الأمر الظروف الدولية المحيطة به التي جعلت منه رئيساً ناجحاً عمل على النهوض بالبلاد من خلال المؤسسات المدنية التي أسسها وهو ابن المؤسسة العسكرية، فقد كان الأقرب إلى بعبدا-القصر الجمهوري- وكما يقال وعلى سبيل المقارنة أهل بعبدا أدرى بشعابها.

ومن هذا المنطلق عَمِل الرئيس الجنرال فؤاد شهاب على انتشال لبنان من الأزمة السياسية التي عصفت بلبنان عقب اغتيال الصحفي نسيب المتني، وكذلك قاد لبنان إلى حالة من الرخاء الاقتصادي والاجتماعي، فقد عَمِل على الإصلاح السياسي  وأتبعه بالإصلاح الإداري، حيث أنشأ لجنة مركزية للإصلاح الإداري والاجتماعي مقسّمة إلى سبعة لجانٍ رئيسية وستين لجنة فرعية، ضمّت عدداً كبيراً من الشخصيات ذوي الخبرة والاختصاص، وقد كلّفها دراسة كل أوضاع الادارة الحكومية اللبنانية ووضع الاقتراحات لإصلاحها وتحديثها، وطلب من اللجان إنجاز أعمالها في ستة أشهر، وصدر تباعاً عن تلك اللجنة استناداً إلى مقترحاتها ستين قانوناً ومراسيم، مصدقة من الرئاسة ومجلس النواب وتتعلق بالإصلاح الإداري وتنظيم دوائر الدولة الأمر الذي أدى إلى انتعاش اقتصادي.

على عكس الرئيس شمعون وبرنامجه الإصلاحي فقد اتسم برنامج فؤاد شهاب بالوضوح، فقد تم إيضاح الأهداف بشكل دقيق وأعلن الرئيس فؤاد شهاب عن تأسيس مجلس الخدمة المدنية ليكون مسؤولاً بصورة كاملة عن الأعمال المركزية المتعلقة بالموظفين واعدادهم وتدريبهم في الإدارة اللبنانية وبعد عدداً من التشريعات الاساسية أصدر عدداً من المراسيم التنظيمية وادخل تعديلات معينة لازمة لتحقيق اهداف برنامج إصلاحي شامل.

وما نمر به اليوم من تعاقب الازمات الاقتصادية الناتجة بطبيعة الحال عن أزمة سياسية عميقة، والتي مرّ بها لبنان منذ ما يقارب السنة والنصف وما رافقها من أزمة عالمية متمثلة بجائحة كورونا سرّعت وعجّلت من الانهيار الاقتصادي الكبير في لبنان، وما أحوجنا اليوم إلى شخص منقذ يحمل أفكار وتطلعات فؤاد شهاب، ينتشل لبنان مما فيه من أزمات سياسية أرخت بظلالها على كافة مناحي الحياة فيه مما انعكس سلباً على المواطن بالدرجة الأولى. 

 وهنا لابد من الإشارة إلى أن السر الكامن وراء نجاح الرئيس فؤاد شهاب أنه لم يكن متقوقعاً حول مارونيته، وإنما كان لبنانياً قبل كل شيء، فقد وقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، فكان رئيساً لكل لبنان واللبنانيين، وقد عمد إلى نشر الإصلاح على كافة الأراضي اللبنانية، ساعده على هذه النظرة الإرث الثقافي والتربوي الكبير الذي مر به خلال تجربته الدراسية في فرنسا على وجه الخصوص والعسكرية، فقد تعلم كيف يكون لبنانياً قبل كل شيء، فمن يأتينا اليوم بفؤاد؟!.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.

المصدر بيروت نيوز