عندما يصبح الواقع مأساويا ومزريا، يصبح التغيير أمرا ضروريا، لأن استمرار الواقع على حاله، سيؤدي حتما إلى التدمير والانهيار الشامل.
وبالتالي، تصبح الثورة حتمية، لأن الشعب لا يمكن له أن يتحمل السيطرة الخارجية و الاحتلال الخارجي ولا يمكن له ان يتحمل الفساد والنهب والافقار الداخلي، كما أن الشعب لا يتحمل أن تتوقف عقارب الزمن عند مرحلة من مراحلة.
فالتغيير ضرورة في حياة الشعوب والأمم، والثورة طريق حتمي من أجل التخلص من عوامل الانهيار والتدمير، ومن أجل مواجهة أسباب هذه العوامل، وقواها الخارجية أوالداخلية.
وفي ظل واقع معقد، تمكنت القوى السائدة من بسط نفوذها وسيطرتها وفرض سياستها، وأدخلت الشعب بحالة من اليأس والاحباط والاستسلام للواقع، يعتقد الشعب أن التغيير أمرا لم يعد ممكنا، وأن الزمن قد توقف، وأن الواقع الحالي سيبقى إلى الأبد .
قوة السلطة والطبقات الحاكمة تنبع من تماسكها وقدرتها على أن تحشد قوى ومؤسسات أمنية وشعبية قادرة على حمايتها والدفاع عنها، الأمر الذي يسمح للطبقة الحاكمة النهب واستغلال الطبقات الشعبية دون ردات فعل أو مقدرة على التذمر، لكن النهب والفساد سوف يفضي في إطار عملية تراكمية إلى عجز تلك الطبقات على العيش، هنا تصبح الانتفاضة والثورة أمرا محتوما، حيست يتساوى الخوف والموت من السلطة والموت جوعا.
حقيقة الأمر، أن الزمن لم يتوقف عند الاحتلال والطغاة، ولم يتوقف الزمن عند الطغاة ومراحل النهب والفساد رغم تسترها خلف شعارات وعناوين مختلفة، ربما يطول وجودها، وربما يقصر، لكنها حتما إلى زوال، ليبقى الوطن والشعب في نهاية المطاف.
ولكن رغم حالات التيئيس والاحباط، كيف يمكن للشعب أن يخرج من النفق المظلم، والخروج من الوضع المزري والمأساوي، الذي يتعرض له؟، وكيف يمكن له التخلص من طبقة تمكنت من حشد قوتها وتعزيز مكانتها، واستطاعت تشويه وعي الشعب وتشويه الزمن وبث روح الاحباط واليأس وجعلت من نفسها قدرا؟ .
أي كيف يمكن أن يكون التغيير وكيف يمكن للشعب أن يطلق صرخته وقوته بوعي منظم؟
الاجابة على هذا السؤال يبدو ضربا من الخيال في الوهلة الأولى، لكن لو استطاعت النخب الشعبية والثورية المؤمنة بالتغيير إلى جانب غضب الشعب وعدم قدرته على التحمل يرى بوضوح أن التغيير ممكن وليس بالأمر العسير، لذلك لابد من السؤال : كيف تكون البداية؟
والاجابة هنا، تكون فكرية، لأن الفكر هو الذي يحدد الجواب، الفكر هو الذي يبدأ بالثورة، وهو الذي يبلورها، والفكر الذي يبدأ بالثورة لا يكون مجرد إجابة على سؤال، فهو عندما يعلن الرفض يتبناه والتبني هذا يجعل الفكرة منظمة، يختلف عدد أفرادها باختلاف الظروف، إلا أنها تظل تنمو، والمنظمة هي الصورة الاجتماعية للفكرة، هذه الصورة لا يمكن أن تتضح إلا في ميادين النضال، فالنضال هو طريق الخروج الحقيقي، والانفلات الضروري لميلاد جديد.
فبالفكرة التي تتحد بالمنظمة التي تعبر عن نفسها بالنضال، تكون البداية
الفكرة – المنظمة هي التي تستطيع تحريك الجماهير وهي التي تستطيع تنظيمها وهي التي تستطيع أن تقودها لأنها تطرح أمامها طرحا ثوريا تغييريا من أجل حياة جديدة، ولأنها تستنفر في عروقها شعورا غامرا بالثقة والقوة .
المنظمة عقيدتها الثورة لأنها عملية رفض شمولي واع وأسلوبها النضال، لأنه تعبيرها الحي عن فعاليتها وقوتها ووضوحها.
هذا هو الجهد النظري الضروري اليوم، هذا هو الدور الفعلي الضروري من أجل أن تنتصر الثورة، ما يؤدي إلى التغيير نحو مجتمع حضاري منتج بعيدا عن السيطرة والنهب والتخلف والانقسام والجهل والفساد.
الثورة ضرورة لأن الظروف الواقعية تجعلها كذلك.