فكرة جيدة أن يذهب جبران باسيل إلى دمشق ويأخذ معه عمه ميشال عون، وأن تتوّج الزيارة المفصلية بلقاء مع بشار الأسد يُصار فيه إلى تجديد عرى التنسيق الأخوي، وتثبيت دعائمه باعتباره نموذجاً لتحالف الأقليات وكيفيته ونجاحه!
ولا بأس إن أصيب حزب ايران في لبنان ببعض المغص المعوي، أو شعر بشيء من قلّة الوفاء من قبل من أنهى لبنان من أجله، أو يكاد، فذلك أمر محمول وممكن بلعه طالما أن المسار لا يشطّ بعيداً، ولا يذهب جناه إلى الأخصام والأعداء!
وفكرة أن يذهب الثنائي عون – باسيل إلى دمشق بشار الأسد، لن تكون غريبة عن نسق تفكير الرئيس اللبناني الراهن، ولا تبدو أنها كذلك عند وريثه، الذي يقول من يعرفه إنه خير من استنسخ طباع ملهمه وطريقة عمله، وإنه في ذلك، مستعد لأن يفعل كل ما يتطلبه السعي إلى الصدارة السلطوية ومكارمها وامتيازاتها.
وهذا من حيث المبدأ. أمّا من جهة التفاصيل، فإن طرح خبرية ” التفكير” بزيارة الأسد في سياق التنتيع الراهن مع حزب إيران إزاء التشكيل الحكومي، و”الامتعاض” من موقفه الأقرب إلى الرئيس المكلف ورئيس البرلمان… ذلك الطرح يدّل تمامًا على عون وحساباته وعبثه، وقد سبق وأظهر عيّنة نافرة (ومدمرة) منه عندما راح عكس السير إقليمياً ودولياً ومحلياً ووطنياً ومسيحياً في مطالع التسعينيات وطبّش حاله وحال البلد معه!
في الوقت الذي كان صدام حسين يرتكب جريمة غزو الكويت واحتلالها، كان ميشال عون “يفكّر” و”يحسب” أنه بالتحالف معه سيتمكن من دحر حافظ الأسد في لبنان! وسيبقى بعد هذا، في القصر الجمهوري رئيساً للجمهورية، بقوة الدستور أو بقوة الدبابات لا فرق! المهم، في حسابه هو أنه يستند إلى صدّام! الذي هزم إيران واحتل الكويت والأرجح أن يتابع المسير للتربع على عرش الخليج ونفطه وفرض نفسه على العالم بحكم الأمر الواقع، ولا بدّ أن تطال يداه المباركتان خناق عدوه اللدود حافظ الأسد فيشغله بالنار ويدفعه إلى الخروج من لبنان لحماية نظامه في دمشق… وتبين بعد سقوط صدّام، أن سيناريو الهجوم العسكري على سوريا قد جرت “مناقشته” في بغداد، ووضعه على الطاولة جدّيا بانتظار التنفيذ، بعد الانتهاء من “تفصيل” السيطرة على الخليج العربي ونفطه.
هذه الهستيريا لم تكن كذلك عند عون و”مستشاريه” وخصوصاً منهم الذين ذهبوا إلى بغداد تلك الأيام واطلعوا على طريقة تفكير قيادتها وخططها، بل الحقيقة الفظيعة، هي أن كثيرين، في عواصم عربية أخرى كانوا على الموجة نفسها، ومنهم من ذهب في التنظير بعيداً، واضعاً حمولة زائدة من الأوهام في عقل صدّام ومنه في عقل عون وأتباعه في نواحينا. وما كان ينقص الأول سوى ذلك الزاد من النفخ كي يزداد انتفاخًا وغربة عن الواقع، مثلما أنه لم يكن ينقص الثاني في لبنان سوى إضافة بسيطة تناغي أحلامه وأوهامه وتحولها في يقظته إلى حقائق تامة.
كلف ذلك المسار العراق ولبنان والمنطقة في جملتها أثمانًا لا تزال تسدد دفعاتها إلى الآن، وراح عون فرق عملة وبقي صدام إلى حين نضوج وضعه. لكن تلك القراءة الغلط، المدمرة والكارثية لم تغير (مثلما هو واضح) في طريقة تفكير صاحب الشأن الرئاسي عندنا ولا في حسابات ومناورات وابتزازات خليفته المفدّى: يطرحان ورقة بشار الأسد وكأنها لا تزال صالحة للرمي على طاولة مصائر لبنان ودول المنطقة! أو كأنها يمكن أن تعرض للمقايضة في سوق المفاوضات المشتعلة هذه الأيام، أو كأن روّاد السوق، إقليمياً ودولياً، يمكن لهم أن يساوموا عليها أو من أجلها! أو كأن الأسد نفسه لا يزال قادراً على التحكم بمحيطه المباشر قبل أن يذهب الافتراض إلى قدرته على التأثير في لبنان أو في السياسات الكبرى المحيطة به، أو كأن حلفاء مسيو باسيل وعمّه أصلاً وأساساً لا يزالون يحسبون وزناً لرئيس سوريا (السابق) في ميزانهم السوري واللبناني!
يمكن، في حالة واحدة، أن تكون فكرة ذهاب عون وباسيل إلى دمشق جيدة ولطيفة: أن يبقيا هناك إلى جانب بشار الأسد ويلتصقان به إلى الأبد !