يستسهل اللبنانيون خلف أحزابهم وزعاماتهم الحديث والانشغال بالسياسة( كلف، عرقل، اعتذر، اجتمع، اتصل، عطل).
مصطلحات سياسية، تتردد، ليبقى الشعب محدقا باتجاه القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي (في حال توفرت الكهرباء أو تحركت المولدات الكهربائية).
وانشغال اللبنانيين بالسياسة، يأتي على أرضية السلطة الحاكمة وخلافاتها ووفاقها، فوسائل الاعلام التي تتبع إلى أصحاب رؤوس الأموال والنفوذ الطائفي والسياسي، تشغل نفسها بالقضايا السياسية في ميادين السلطة، وإن كانت تذرف الدموع على أوضاع الناس المعيشية.
إشغال الناس بالسياسة، يعني إشغال الناس بقضايا السلطة، والطبقة الحاكمة وليس إشغال الناس بقضاياها المعيشية التي تتعرض للانهيار التام.
ففي الوقت الذي تتعرض فيه البلاد لأسوء الأوضاع المعيشية ويقف المواطن في طوابير الذل أمام محطات البنزين، الصيدليات وأسعار المواد الغذائية وحليب الأطفال، وفي وقت يعود الشعب إلى منزله ليجده بدون كهرباء والمولدات أعلنت تقنينا على التقنين، ترتفع الأصوات والتحليلات والخلافات والتحالفات حول الوضع السياسي والخلافات السياسية بين أبناء الحكم.
والطبقة السياسية والمالية والدينية الحاكمة، تشغل الناس بالسياسة لأنها تريد من الشعب أن يختلف وهو يقف في ميدانها ويقاتل في خنادقها، وأيضا تشغل الشعب عن قضاياه المعيشية وتطلب منه أن يتعايش مع النهب والفساد وطوابير الذل والعتمة .
مجددا لابد من التنويه، بأن الصراع في لبنان ليس صراعا سياسيا بين أطراف الحكم سواء من هم في السلطة أم خارجها، بل الصراع طبقي معيشي، إجتماعي، بين فئات وطبقات فاسدة، نهبت الثروة، وعبثت بمؤسسات الدولة.
اليوم، القضية في لبنان، ليست الحكومة ومن يشكلها، وليس بمن كلف وبمن يعرقل، بل المشكلة هي في دولة تتعرض للانهيار، وشعب يتعرض للذل في العتمة، وأمام محطات الوقود، ويبحث عن صيدلية تفتح أبوبها لشراء دواء أو حليب أطفال .
تشكيل حكومة، لا يعالج المشاكل المعيشية التي يتعرض لها المواطن، لأن الوطن يتعرض للانهيار، الحياة أثبتت أنها لا تتغير، بتشكيل حكومة أو بعدمه، بانتخاب رئيس للجمهورية أم بعدم انتخاب، سنوات عاش فيها اللبنانيون بدون رئيس دولة، ولم تكن الأوضاع أسوء من هذه المرحلة التي فيها رئيس.
فالأوطان لا تقاس بمقدار ما تكون السلطة بحالة استقرار ونفوذ، بل تقاس الأوطان بمقدار ما يكون الشعب مستقرا وآمنا ومنتجا.
لذلك، وقبل الانشغال بالسياسة والصراخ على شاشات التلفزيون ، على النخب والقوى الصادقة التي تعبر عن مصالح الشعب، أن تشغل نفسها بمعاناة الناس، طبعا ليس بالسرد والنقل، بل بالتحليل والتحريض ورسم خطوط التغيير والثورة . فالشعب لا يحتاج اليوم لمن ينقل له خبرا، ولا يحتاج ( بل وقرف وتقيء) من محللين ومنظرين ليس لديهم سوى هما واحدا كيف يمكن تلميع السلطة وتحميل المسؤولية لهذا الفريق وتبرئة ذاك.
الشعب يشعر بالتعب والارهاق، والطبقة السائدة بكل ما فيها تطلب من الشعب الصبر والتحمل والتعايش مع الأزمة، لأن الطبقة السائدة لا تريد معالجة الأزمات ولا تريد للشعب أن يرفض الأزمات ويطلق صرخته للتغيير ، بل تريد منه الصبر والتحمل والتعايش، لأن هذه الطبقة تسيطر وتتحكم وتتمتع بالنفوذ، فلا تقف في طوابير الذل، ولا يعيش أطفالها بالعتمة في حر الصيف، ولا يمضون أوقاتهم يبحثون عن دواء .
المشكلة اليوم ليست سياسية وليست طائفية، بل المشكلة معيشية وعلى الفقراء أن يرسموا خارطة طريقهم، فالأبواب أقفلت في وجههم، ولا إمكانية للمعالجات بحكومة وبغير حكومة، فالوطن يتعرض للانهيار على يد من نهب وأفسد واستمتع بالامتيازات، يمنع على الفقراء أن يصرخوا في ميادين الثورة، ويطلبون اليوم من الفقراء أن يموتوا دفاعا عن أحذيتهم ويقاتلوا في خنادقهم دفاعا عن مصالحهم بغطاء سياسي وطائفي بغيض .