قضي الأمر وبات الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي رئيساً مكلفا لمهمة توصف بالانتحارية لألف سبب وسبب، لكن ما يهم أهالي شهداء المرفأ من التطورات السياسية في البلد لناحية التكليف أو التأليف إذا حصل، أمر واحد: تسهيل تحقيق العدالة في جريمة عرفت بجريمة العصر والتي أودت بفلذات أكبادهم، وهم لن يرتاحوا ولن يكلوا قبل أن ينال كل من له علاقة بهذه الجريمة عقابه.
الكل يتحضر للذكرى الأولى للرابع من آب، لأن الأهالي يريدونها أن تكون على قدر الخسارة وأن تأتي بما يليق بأرواح الشهداء، كما يريدون أن يمر هذا اليوم بسلام احتراماً لذكرى شهدائهم، رغم أن البعض يعتبر أن هذا اليوم سيكون بمثابة انتفاضة شعبية كبيرة، لكن ولسخرية القدر، فإن بعض أهالي الشهداء يعانون اليوم من تداعيات كورونا، وعدد منهم خضع لعمليات طارئة كأنه لم يكفهم وجع الفراق، وهم على مسافة أيام قليلة من إحياء الذكرى التي يصرون على المشاركة فيها، وينتظرونها بفارغ الصبر لرفع الصوت عالياً في وجه كل من يعرقل الوصول إلى العدالة، وهم يؤكدون انهم لن يستكينوا ولن يقبلوا تحت أي ظرف من الظروف أن تذهب دماء شهدائهم هدراً.
أمس، تابع اللبنانيون على شاشات التلفزة، الاستشارات النيابية في قصر بعبدا، وتكليف الرئيس ميقاتي، لكن أهالي الشهداء كانت عيونهم وقلوبهم وعقولهم شاخصة نحو المرفأ الذي وزع شظايا حقد السلطة الحاكمة وإهمالها ولامسؤوليتها على العاصمة بأكملها، وأودى بحياة أكثر من 200 شهيد تركوا هذا العالم، وعدد كبير من الشهداء الأحياء الذين فقدوا أجزاء من أجسامهم. منهم لن يتمكن من رؤية ماذا حصل وماذا سيحصل لأنهم فقدوا بصرهم.
ومنهم من لن يتمكن في المشاركة في الذكرى لأنهم لن يتمتعوا بنعمة المشي على أقدامهم مرة أخرى، ومنهم طريح فراش الألم والعذاب. وتحول العدد الأكبر من أهالي بيروت إلى أسرى الخوف والإحباط ، ويعيشون كل لحظة ” تروما” انفجار المرفأ، وكلهم لن يشاركوا في تلك الذكرى الأليمة.
على أي حال، فإن عدداً كبيراً من الأهالي المفجعوين، سيعضون على الجراح ، وسيضعون أوجاعهم جانباً التي تزيد يوماً بعد يوم خصوصاً وأن أبسط حقوقهم في معرفة ما حصل لم يتحقق حتى الآن، لا بل تقفل كل الطرقات أمامهم، وهذا أكثر ما يحز في قلوبهم كما يقولون.
الأهالي يتابعون التطورات السياسية، والتكليف، لكنهم يعتبرون ذلك فصلاً من فصول مسرحية في وجوه متعددة، لكن القصة مستمرة لأن المسؤولين في نظرهم من طينة واحدة، وإذا فرطت حبة من سبحتهم سيكرون جميعهم لأنهم يحمون بعضهم بحسب ما يقول النّاطق باسم لجنة شهداء انفجار المرفأ ابراهيم حطيط لـ” لبنان الكبير” .
ويتحدث الأهالي عن أوجاعهم التي لا تندثر إلا بتحقيق العدالة، ولا يهمهم من التكليف أو التأليف سوى الوصول بقضيتهم إلى خواتيمها الطبيعية وإنصافهم، وهم رغم انهم فقدوا من هم الأغلى على قلوبهم، وأن الحياة بالنسبة لهم باتت بلا طعم ولا لون، إلا أنهم يتمنون تشكيل حكومة رأفة بالشعب الذي يعاني الأمرين، والذي ربما إن بقيت الحال على ما هي عليه، سيعيش انفجارات متتالية تتسبب بشهداء آخرين، وهذا ما لا يتمناه الأهالي في أن تعيش عائلات أخرى مرارة التجربة التي يعيشونها.
آمال أهالي الشهداء ليست كبيرة لناحية تكليف ميقاتي لأنه بحسب حطيط “على أيامه وصل النترات إلى المرفأ، وهو وغيره من رؤساء الحكومات في دائرة الاتهام حتى يثبت العكس”، لكنهم في الوقت عينه يعولون على إسقاط الحصانات عن النواب في هذه المرحلة. هذا تمني الأهالي الذين تحركهم عواطفهم تجاه أحبائهم، لكن فعلياً على أرض الواقع ماذا يقول القانون في هذا الاطار؟.
زكور: لا ارتباط قانونياً بين تشكيل الحكومة والتحقيقات
استوضح ” لبنان الكبير” من رئيس مركز liberty للدراسات القانونية والدستورية محمد زكور عن إمكانية رفع الحصانات عن النواب في هذه المرحلة، مؤكداً أن “لا ارتباط قانونياً أو دستورياً إطلاقا بين تشكيل الحكومة وتحقيقات انفجار 4 آب.
هناك وجهة نظر تقول إنه بما أن الحكومة لم تتشكل بعد وحكومة الرئيس حسان دياب حكومة تصريف أعمال، وعندما يكون هناك حكومة تصريف أعمال، فهذا يعني أن مجلس النواب يصبح هيئة استثنائية ينعقد استثنائياً وبالتالي من المفروض ألا يبتّ بأي أمر خارج إعطاء الثقة للحكومة الجديدة. هذه وجهة نظر، لكن أنا كدستوري لست معها.
لذلك، لا أربط تشكيل الحكومة بموضوع تحقيقات 4 آب” .
ويتحدث أولاً عن العريضة النيابية في ما يتعلق بانفجار الرابع من آب، معتبراً أنها “عريضة هرطقة لأن القانون رقم 13/ 90 الذي نظم النظام الداخلي للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يقول: ترفع عريضة من خمس عدد أعضاء المجلس لملاحقة وزير ما ويتهم بالثلثين لاحقاً.
إذا، العريضة فقط اقتراح ملاحقة وزير أو رئيس.
أما النواب، فوقعوا عريضة يطلبون فيها نقل المحاكمة من المجلس العدلي إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهذا ليس له أي سند قانوني لأن العريضة فقط حول اقتراح ملاحقة وزير أو لا وليس طلب نقل دعوى من مرجع إلى مرجع آخر.
ثانياً، في كل الأحوال لا حاجة للعريضة لأن المرجع إلى حد يومنا هذا وفق المادة 80 وما يليها من الدستور لمحاكمة الرؤساء والوزراء في كل جرم ناجم عن الوظيفة هو للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وإذا أردنا المجلس العدلي أن يحاكم الرؤساء والوزراء استثنائياً، يلزمنا تعديل للمادة 80 من الدستور لأن هذه المادة حاسمة للموضوع، وبالتالي عريضة النواب التي أصلاً فرغت من مضمونها هي هرطقة دستورية”.
وفي ما يتعلق بالقضاة المشتبه فيهم، يوضح زكور أنه “تتم ملاحقة القضاة ومحاكمتهم أمام غرفة من غرف محاكم التمييز .
وفي ما يتعلق بالنواب، فرفع الحصانات يأتي من المجلس النيابي، وإذا أعطى المجلس الإذن بمحاكمة النواب وملاحقتهم ممكن أن تتم محاكمتهم أمام المجلس العدلي.
ذلك، يوصلنا إلى معضلة أن نفس الدعوى سيتم المحاكمة فيها أمام 3 مراجع، وهذا غير منطقي وغير قانوني .
الرؤساء والوزراء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. المتهمون القضاة أمام غرفة من غرف محاكم التمييز.
والآخرون بمن فيهم النواب في حال تم رفع الحصانة عنهم أمام المجلس العدلي.
وذلك في العلم القانوني لا يحصل لأنه من الممكن أن يؤدي إلى تضارب مسارات وتضارب تحقيقات وتضارب أحكا “.
ويرى أن “الحل في تعديل الدستور ولو لمرة واحدة، والسماح للمجلس العدلي بمحاكمة الرؤساء والوزراء وأن نعدل القانون ولو لمرة نسمح للمجلس العدلي ملاحقة القضاة إذا كانوا متهمين” .
وعن طلب القاضي طارق بيطار الإذن بملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ومديرعام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، يلفت إلى أن “وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي لم يعطِ الإذن بملاحقة اللواء ابراهيم، ويكون وفق القانون المرجع الصالح لحسم الملاحقة من عدمها هو النيابة العامة التمييزية التي رفع لها القضية القاضي بيطار، وبتّ بالموضوع المحامي العام التمييزي غسان خوري، ورد طلب ملاحقة اللواء ابراهيم، لذلك يكون ابراهيم خارج الملاحقة وما من مجال للطعن بالموضوع”.
ويتوجه زكور إلى الأهالي بالقول: “عليكم ألا تتوهموا بربط تشكيل الحكومة بالتحقيقات لأنهما مساران مختلفان.
والقاضي البيطار إلى الآن يقوم بعمل مقبول، ولا نتوقع بضربة عصا أن تنكشف كل الأمور وكل الأسماء، لأن هناك سرية تحقيق. وعمله يقيّم عندما يصدر قراره بالاتهام النهائي”.