شهوة الدم بين المدنيين

4 أغسطس 2021
شهوة الدم بين المدنيين
محمد بركات
محمد بركات

تمتلىء مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوات إلى القتل.

كان هذا قبل قتل علي شبلي، المسؤول في حزب الله، المتهم بقتل طفل عشائر العرب في خلدة، حسن غصن، المراهق، ابن الـ14 عاماً، خلال خلاف قبل عام سببه محاولة عناصر من حزب الله تعليق صورة سليم عياش في خلدة. عياش المُدان في المحكمة الدولية بجرم اغتيال الرئيس رفيق الحريري.


العنف الموجّه، والقاتل، والمعدّ ليشبه المجزرة هو “ترند” Trend يتصاعد، وتشارك فيه مواقع إلكترونية “مدنية”، نشأت حديثاً، ومموّلة من منظمات “دولية” تعارض العنف


ثمة رهط من المجتمع – مدنيين، ومن الناشطين المعارضين لـ”السلاح المتفلّت”، يدعون إلى العنف ليلاً ونهاراً. يدعون إلى العنف الأعمى والحاقد:

ليس العنف الثوري، المؤطّر والمنظّم ضمن حزب شعبيّ، على سبيل المثال.

وليس العنف الاحتجاجي، كما حين قرّر بعض هؤلاء الهجوم على منزل وزير الداخلية محمد فهمي، علّه بذلك يغيّر رأيه ويسمح بملاحقة المدير العام للأمن العام.

وليس العنف الترويجي للتظاهرات، مثل الاحتكاك بعناصر الشرطة في وسط بيروت، لتزخيم الاعتصامات وجذب انتباه الكاميرات والإعلاميين.

ليس هذا كلّه.

بل العنف الموجّه، والقاتل، والمعدّ ليشبه المجزرة. هو “ترند” Trend يتصاعد، وتشارك فيه مواقع إلكترونية “مدنية”، نشأت حديثاً، ومموّلة من منظمات “دولية” تعارض “العنف”.

يا للمفارقة.

وصل هذا الترند إلى أن تنشر جريدة مرموقة مقالاً مرفق بصورة تدعو إلى قتل السياسيين. وفي النصّ، تخلط الكاتبة بين السياسيين وعائلاتهم. ويندلع النقاش على فيسبوك، فيدخل

ناشطون معادون لحزب الله، بسبب سلاحه، ويدعون إلى “تدمير بيوتهم وتشويه أجسادهم”، وآخرون يدعون إلى “تعليق المشانق”، هكذا بلا محاكمة أو عدالة من أيّ نوع.


بين ليلة وضحاها بتنا أسرى “بروباغندا” شعبوية، تدعو إلى “القتل السياسي”. ولها جمهورها بين آخر الجزر المدنية التي كانت تنادي بالحياة المدنية الخالية من العنف ومن الدم


بماذا يختلف هؤلاء عن كلّ مستبدّ أو طاغية؟

بماذا يختلفون عن “داعش” التي راحت تقتل وتذبح كلّ “مرتدّ” أو “كافر؟

بماذا يختلفون عن حزب الله الذي يتّهمونه بأنّه يقتل معارضيه وخصومه؟

بماذا يختلفون عن أيّ مغفّل يحمل سلاحاً، ويقرّر قتل من لا يعجبه، شيخاً كان اسمه أو كاهناً أو رئيساً أو مسؤولاً حزبياً؟

ثمة شهوة دموية لا يمكن استيعابها، تنتشر بين “ناشتين” لطالما كانوا ضدّ العنف وأحزابه ومذاهبه وحكّامه.

هكذا بين ليلة وضحاها بتنا أسرى “بروباغندا” شعبوية، تدعو إلى “القتل السياسي”. ولها جمهورها بين آخر الجزر المدنية التي كانت تنادي بالحياة المدنية الخالية من العنف ومن الدم.

بالطبع القتل لم يتوقف في لبنان منذ إعلان الاستقلال في 1943. وسيستمرّ، لكن هناك فارق كبير بين أن يكون الدم “مطلباً شعبياً”، وبين أن يكون تهمةً توجّه إلى مجموعات أمنية، حزبية، إرهابية، أو معادية لفكرة “الدولة” و”العدالة”.

هناك فارقُ كبير بين أن يكون القتل “تهمةً” ينفيها القاتل ويتنصّل منها، وبين أن يكون شرفاً يدّعيه ضعفاء، مرشّحون دوماً ليكونوا هم ضحايا القتل و”شهداء” اللحظات الفارقة.

ثمة شهوة دم تنتشر بين المدنيين. سيقول البعض إنّ الناس يموتون من الجوع ومن انعدام الأمن ومن غياب الدواء، ومن “الشوب” بلا كهرباء. وهذا صحيح.

الجديد أنّهم بعد “تشريع القتل”، سيموتون لأسباب أتفه بكثير.

ألا يعرف هؤلاء أنّ العنف الذي ينادون به يشرّع لمن هم أكثر خبرة وقدرة ورغبة في استعمال المنطق نفسه، ضدّهم؟

فليراجعوا منطقهم بدلاً من أن يقرأوا الترجمة العملية على أبواب منازل السياسيين الذين فتحتم لهم صندوق باندورا العنف، وشرعية استعمال العنف الشديد، إلى حدّ القتل، في وجهكم.

المصدر أساس