بلا يمكن لأهالي شويا ومنطقتي حاصبيا والعرقوب والجنوب عموما تحمل مغامرات “مقاومتية” باستعراض راجمات الصواريخ على الحدود اللبنانية ـــ الإسرائيلية، أو قصف يطيح القرار 1701 ويجعل المناطق اللبنانية عرضة للعدوان اليومي ليزيد من أعباء الأزمة على الأهالي الذين وإن وجدوا سيارة لتنقلهم من منطقة إلى أخرى هرباً من القصف الإسرائيلي اليوم، فإنهم لن يجدوا حتى صفيحة بنزين لملء خزانات سياراتهم ويكون الموت بانتظارهم على الطرقات.
منذ أيام تشهد مناطق الجنوب توترات على الحدود ترسم الكثير من الأسئلة عما إذا حصل تدهور أمني مفاجئ نتيجة قصف الصواريخ من بين القرى وقد تبناها حزب الله معلناً إطلاق عشرات الصواريخ على مناطق مفتوحة حول مزارع شبعا رداً على الضربات الجوية الإسرائيلية.
وما حصل في شويا من إيقاف راجمة لحزب الله وتسليمها مع الركاب الأربعة للجيش، قد يكون حدثاً بعينه.
فخوف الأهالي من مغامرة محتملة تطيح وقف النار وتشعل جبهة القتال وتعرض الناس للخطر، لا يمكن أن يمر من دون مساءلة؟ وإن حزب الله لا يمكن أن يجعل الجنوب ساحة حرب خدمة لأهداف خارجية، فشعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة أكل عليه الدهر وشرب، والعبث بأمن الجنوبيين لا أحد يستطيع تحمله مهما كثرت شعارات أحزاب الممانعة في دعم “المقاومة” ومهما كثرت بيانات أو خطابات التخوين المتكررة.
تحركات مريبة وتساؤلات
تقول رولا عبد الله من بلدة كفرشوبا: “كل يوم نسمع بتحركات مريبة في المنطقة ونخاف من انزلاق الأمور نحو حرب كبيرة لا نستطيع تحمل تبعاتها. لم يعد لدينا القوة لمواجهة الحروب والمعارك واستعراضات القوة لنقول فيما بعد “لو كنا نعلم”، لم يعد بالإمكان دفع ثمن الصراعات الإقليمية في المنطقة ليتكرم علينا الإيرانيون بــ”مقاومة” لا تأبه بحياة الناس ومعيشتهم وأمنهم وحماية أرزاقهم، ولا نريد أن نعطي حججاً للعدو باحتلال أرضنا من جديد، يكفينا ما عشناه وما عانيناه، حقنا نريده من الجيش اللبناني، هو فقط من يدافع عنا ومن يحمي أرضنا، يكفينا مغامرات غب الطلب الإيراني.
كلنا لبنانيون وجنوبيون لا نرغب بالنزوح عن أرضنا ولا نريد أن نكون سلعة في بازار الصراع الإيراني ـــ الأميركي”.
وتوضح: “غادرت البلدة عائلتان فقط بعد القصف الإسرائيلي ردا على الصواريخ، والآن بعد أن خف القصف خرج الأهالي لإطفاء الحرائق التي حصلت في البلدة بنتيجته”.
خوف من التهجير
وتخوف أحد أبناء حاصبيا من فكرة التهجير، مشيراً إلى أن البعض نتيجة التوتر الذي حصل والقصف الذي قامت به إسرائيل أراد الرحيل، منهم من استطاع ذلك، كان في سيارته بنزين ومنهم من لم يستطع لعدم قدرته على تأمينه خصوصاً وأن المحطات أقفلت، وبالأساس كانت تفتح ساعتين فقط، واليوم لا أحد بإمكانه استقبال أحد في بيته،
فأين يذهبون حتى وإن كانوا من الاقارب، الجميع يعيش مشكلة في العيش اليومي وطعامه وتأمين المياه والكهرباء والدواء، حتى مستشفى غير موجود، فكيف إذا تدمرت المنازل فمن يعيد الحياة للناس والبناء للقرى؟ يجب التفكير بعقلانية والالتفات إلى مصالح الناس بعيداً عن الشعارات الرنانة”.
التقدمي: ليس في شويا متعاملون مع العدو
بالأمس أوقف أهالي شويا راجمة “حزب الله” ليقولوا له بلدتنا ليست أرضاً سائبة وأرواحنا ليست سلعة في بازار المفاوضات الإيرانية بين أميركا وإسرائيل.
هذه الرسالة قد توجه لحزب الله في أي قرية لبنانية أخرى على الحدود، من دون الدخول في هويتها الطائفية، ومباشرة قام إعلام “الممانعة” بتوجيه تهم إلى أبناء بلدة شويا الذين أوقفوا الراجمة واتهموهم بالعمالة لإسرائيل وهي تهمة جاهزة لكل من يقول لا لمغامرات واستعراضات حزب الله في المنطقة.
ورداً على ذلك سخر وكيل داخلية الحزب التقدمي الاشتراكي في حاصبيا سامر الكاخي في حديث لــ “لبنان الكبير” من هذه الاتهامات، قائلاً: “لا يمكن لأي شاب أو شيخ يعيش اليوم في شويا أن يكون على علاقة مع إسرائيل، فالدولة تعرف ذلك وليس في البلدة عملاء للعدو، إنهم شباب يعيشون في البلدة ولا يريدون أن يتضرروا من مغامرات غير محسوبة النتائج، لقد حلت المسألة على الفور وجرى تسليم الراجمة مع الشباب الأربعة إلى الجيش اللبناني”.
ويؤكد: “الناس خائفة من تطورات الأوضاع في الجنوب منذ أيام، وهناك تحركات مريبة وكل العائلات تعيش أزمات معيشية خانقة، لا بد من حماية أمنهم وتعزيز ثقتهم بالجيش اللبناني”.
اتهامات العمالة مردودة
من جهته، أكد لنا الأسير المحرر رياض عيسى من بلدة الهبارية أن “أهالي العرقوب ومنطقة حاصبيا كانوا سباقين في مقاومة العدو وقدموا عشرات الشهداء وآلاف الجرحى والمعتقلين، منذ أواخر الستينيات و”فتح لاند” وجبهة المقاومة الوطنية، فهل يتهمون اليوم بالعمالة؟ مع أن العملاء انتشروا في كل القرى والأماكن التي احتلتها إسرائيل”.
وتساءل “لماذا اختيار منطقة العرقوب مركزاً لإطلاق الصواريخ، وهل كان الحزب سيتبنى العملية لو لم يتم كشف وتوقيف المجموعة في شويا، ام كان القصد إلصاقها بأبناء العرقوب أو فصائل غير معروفة؟”.
وشدد على أهمية “وضع استراتيجية دفاعية يساهم فيها كل الشعب اللبناني وقواه العسكرية”.
واستغرب توقيت إطلاق الصواريخ في عطلة الأسبوع حين تكون المنطقة تعج بأبنائها الذين تركوا بيروت وضواحيها من مافيات المولدات وغلاء الأسعار والبطالة، ما اضطر البعض اليوم للنزوح مجدداً إلى بيروت”.
وثمة تساؤلات كثيرة من الأهالي عن دور القوى الأمنية في تسهيل دخول آليات الراجمات والمسلحين. وقد علّق أحدهم على ما تردد عن تسليم الجيش الشبان الأربعة لأهاليهم واحتفالات الأهل بهم، في وقت أنه عندما تم توقيف مسلحين اطلقوا صواريخ من قرى أخرى وهم من غير المنتمين لـ”حزب الله” جرت محاكمتهم وسجنوا؟!
شويا من أولى القرى المقاومة
بلدة شويا تبعد حوالي 120 كلم عن بيروت وترتفع حوالي 1090 متراً عن سطح البحر، بلدة مختلطة دروزاً ومسيحيين، تبعد عن حاصبيا 3 كلم، وتشتهر بالمواقع الأثرية وأهمها برج عبنايل، إضافة إلى قلعتها العسكرية التي بناها الفرنسيون ودمرت في قصف إسرائيل لها سنة 1969 في 13 تموز بعد تمركز قيادة الثورة الفلسطينية فيها بموجب اتفاق القاهرة.
أهلها يعيشون من مداخيل الزراعة وبعض المشاريع الصغيرة المحدودة، وعدد من أبناء البلدة يعملون في السلك العسكري من جيش وقوى أمن داخلي.
وهي مشهورة بأشجار سنديان يفوق عمرها ألف وخمس مائة سنة ما زالت شاهدة على العصر كما تشتهر بإنتاج الزيتون.
انطلقت منها الشرارة الأولى لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي. ليل الخامس من حزيران 1982 قامت مجموعة من شباب القرية بمهاجمة قوات الاحتلال في نفس اليوم لدخوله، وقدمت عدداً من الشهداء في إطار جبهة المقاومة الوطنية، وسقط أيضاً من أهلها العديد من جراء القصف بين جريح وشهيد، فيها مزار الشيخ الفاضل حيث أقام في شويا مدة من الزمن مع عدد من المشايخ في عهد الأمير فخرالدين وخلال الاحتلال التركي. كان لشويا دور كبير أيام الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش.