لطالما كان “التضامن الداخلي” أحد أسرار قوّة حزب الله. حتّى في عزّ الانقسام العمودي بين 8 و14 آذار، دخل حزب الله إلى حرب تموز 2006، متسلّحاً بثلاثة سواتر وطنيّة فولاذيّة:
1- “طاولة الحوار الوطني”، وقد كان الأمين العام حسن نصر الله يجاور حولها سمير جعجع وسعد الحريري ووليد جنبلاط.
2- “التحالف الرباعي” في انتخابات 2005، مع الثلاثة المذكورين، توَّجَه بانتخاب قواتيٍّ بأصوات الحزب في بعبدا – عاليه.
3- “تفاهم مار مخايل” مع ميشال عون في شباط 2006، قبل الحرب بأشهر قليلة.
طويلاً عاند الحزب، وكثيراً قال مسؤولوه إنّه لم يكن هناك إجماع مطلق على “المقاومة” في أيّ زمان أو مكان. لكنّه عنادٌ غير دقيق. فالنازحون الشيعة وجدوا متطوّعين ومحبّين ومستقبلين، من الجبل إلى كسروان وطرابلس، مروراً ببيروت وصيدا وخلدة والناعمة، وربّما في شويّا وحاصبيا.
في أسبوع واحد بدا أنّ لبنان يشهد “يتماً” جديداً لحزب الله، هو اليتم الداخلي، في أربع محطّات معاكسة تماماً لسواتره الفولاذية التي استند إليها ذات تموز غابر
و”شويّا شويّا” تغيّر المشهد كلّيّاً بعد 7 أيّار 2008.
فالحزب، الذي اجتاح بيروت، ونكّل بأهلها، وحاول اجتياح الجبل، وصولاً إلى “التلات تمانات”، وتعرّض حلفاؤه لِما تعرّضوا له في طرابلس ومناطق أخرى، حاول الإطباق العسكري على لبنان، لكنّه فشل. واستمرّ بعدها في محاولة الإطباق السياسي، حتّى عيّن حليفه ميشال عون رئيساً للجمهوريّة “بسلاح المقاومة”، على ما قال النائب في حزب الله نوّاف الموسوي تحت قبّة البرلمان، قبل أن يجبره حزبه على الاستقالة.
تمكّن الحزب من مفاصل الدولة كلّها. فحليفه رئيسٌ للجمهورية، وحليفه الآخر نبيه برّي رئيسٌ لمجلس النواب، وأحد وزراء حكومة “القمصان السود” رئيسٌ للحكومة، وله التعيينات والقضاء والأجهزة الأمنيّة.
كلّ هذا أسّس للانهيار، وللانفضاض العربي والغربي من حول لبنان، الذي صار يتيماً في “عهد حزب الله”.
واليوم، يبدو كلّ هذا الجبروت مجداً من رماد.
في أسبوع واحد بدا أنّ لبنان يشهد “يتماً” جديداً لحزب الله، هو اليتم الداخلي، في أربع محطّات معاكسة تماماً لسواتره الفولاذية التي استند إليها ذات تموز غابر:
1- “موقعة” خلدة: بدا من بعدها الرأي العامّ السنّيّ كارهاً، إن لم نقل حاقداً على حزب الله. وامتلأت مواقع التواصل بالتشفّي، وبما يشبه الاحتفال بـ”كسر شوكة” الحزب في خلدة، كما لو أنّها كانت انتقاماً من 7 أيّار البيروتيّ.
2- مشهديّة المرفأ: بدا المشهد فاقداً للشريك الشيعي: قدّاس مسيحي، نُخَب مدينيّة لا مذهبية ولا حزبية، القوّات والكتائب في خلفيّة المشهد، ويساريّون أدماهم القوّاتيون في زواريب الجمّيزة.
و”الساحة” الجديدة للتجمّع الشعبي، أمام المرفأ الغابر، لا زواريب شيعية على تخومها، كما هو حال الخندق الغميق قرب رياض الصلح وساحة الشهداء. وقد بدا انزياح الساحة غير المقصود بسبب الاعتصام أمام مرفأ بيروت، وكأنّه سحب ورقة الاعتداء على المتظاهرين من يد “الثنائي”. وأضاءت شعارات معاداة الحزب وتحميله مسؤولية تفجير المرفأ، كإشارة سياسية وحيدة، في ذكرى 4 آب.
علم “أساس” من مصادر دبلوماسية أنّه بعد القصف الفلسطيني أمس الأوّل، بعثت إسرائيل رسالة إلى حزب الله، مفادها أنّها المرّة الثالثة التي يقصف “فلسطينيون” خلا شهرين، وأنّ هذا “تغيير في قواعد الاشتباك”
3- شويّا، الدرزية: ضمن قضاء حاصبيا، أوقف شبّان راجمة صواريخ كانت عائدة من مهمّة إطلاق صواريخ على مزارع شبعا. تعرّض “المقاومون” للضرب، للمرّة الأولى منذ تأسيس حزب الله في عام 1984. وسلّمهم “الأهالي” إلى استخبارات الجيش بعد شتمهم وشتم حزبهم. وعلم “أساس” أنّه في قرية درزية أخرى، أوقف عدد من الأهالي الدروز شاحنة صواريخ مشابهة قبل أن تطلق الصواريخ.
واُستُكمل مشهد شويّا بهجوم في صيدا على بائعي تين من الدروز، قابله أهالي عاليه بالاعتداء على فانات “شيعية” متوجّهة من البقاع إلى بيروت.
وقد أصدر الحزب، للمرّة الأولى في تاريخه، بياناً يوضح فيه أنّه أطلق صواريخ الأمس “من مناطق حرجية بعيدة تماماً عن المناطق السكنية حفاظاً على أمن المواطنين”، في تفهّم جدّيّ لمخاوف أهالي شويّا. وعلم “أساس” أن لا رغبة لدى الحزب في توسيع المواجهة.
4- صهاريج صور: أمّا شيعياً، فقد كان لافتاً أنّ شبّاناً في مدينة صور، تابعين لحركة “أمل”، صادروا صهاريج محروقات تابعة لحزب الله، وأفرغوها للاستعمال “الشعبي”، اعتراضاً على تهريب المحروقات إلى سوريا.
أيضاً كان لافتاً أنّ صواريخ الأمس جاءت بعد صواريخ “فلسطينية” الشبهة أُطلِقت من جنوب لبنان نحو كريات شمونة أمس الأوّل، في رسالة إضافية حول “ترابط الساحات” بين لبنان وفلسطين، خصوصاً بعد صواريخ مشابهة انطلقت من لبنان خلال العدوان الإسرائيلي على غزّة قبل أشهر.
وعلم “أساس” من مصادر دبلوماسية أنّه بعد القصف الفلسطيني أمس الأوّل، بعثت إسرائيل رسالة إلى حزب الله، مفادها أنّها المرّة الثالثة التي يقصف “فلسطينيون” خلال شهرين، وأنّ هذا “تغيير في قواعد الاشتباك”. وأكملت الرسالة الإسرائيلية باستعمال سلاح الطيران للمرّة الأولى منذ 2006. فأغارت طائراتها على منطقة “فارغة”، وردّ الحزب من “منطقة حرجية”، ليؤكّد “العودة إلى قواعد الاشتباك السابقة”.
فإذا كانت كلّ المناورات العسكرية – الشعبية في إسرائيل تهدف إلى اختبار تماسك الجبهة الداخلية، فإنّ حزب الله، من خلدة السنّيّة، إلى المرفأ المسيحي، وصولاً إلى شويّا الدرزية، وليس انتهاءً بالفقر والعوَز اللذين لم يوفّرا بيئته الشيعية، يبدو عارياً اليوم من التضامن الداخلي، في جبهة داخلية تكنّ له العداء، إن لم نقل الحقد.
العدوان الإسرائيلي اليوم قد يكون رصاصة الرحمة، إذا أطلقها على جسد لبناني غارق في العناية الفائقة، ولا يجد دواءً ولا ماءً ولا طعاماً ولا كهرباء…