عون ـــــ جعجع… حتى حدود الانتحار!

7 سبتمبر 2021
عون ـــــ جعجع… حتى حدود الانتحار!
 أنطوني جعجع
أنطوني جعجع

لم يكن الرأي العام اللبناني عموماً، والمسيحي خصوصاً، في حاجة الى مهرجان شعبي هادف في معراب ليدرك أن الكيمياء بين الرئيس ميشال عون وسمير جعجع قد انعدمت تماماً، وأن الرجلين وصلا الى مرحلة عاصفة تشبه الى حد بعيد تلك المرحلة التي سبقت حرب الالغاء قبل 30 عاماً، لكن من دون سلاح هذه المرة…

ولم يكن كذلك في حاجة الى اي حملة هادفة يشنها جبران باسيل على القوات اللبنانية، ليدرك ان اي تعايش بين الفريقين يدخل في خانة المستحيلات، ليس لانعدام الحاجة الى التضامن في الظروف المصيرية الصعبة، بل لانعدام الثقة في مكان وتضارب المصالح في آخر، وتباين التحالفات والخيارات في كل مكان…

ويعود هذا الصراع في العمق، الى حقيقتين دامغتين: الأولى أن عون لا يصدُق في وعوده، على غرار رئيس تياره السياسي، وان جعجع لا يتعلم من أخطائه سواء عن سوء تقدير او عن نقص في الاستكشاف والاستباقية…

“سأحافظ على القوات اللبنانية كما أحافظ على الجيش اللبناني”، بهذه العبارة تمكن عون من “تهدئة” جعجع الذي ادرك في ربع الساعة الأخير من ولاية الرئيس أمين الجميل ان الأخير وضع الرجلين اللدودين، سواء عن قصد او غير قصد، وجها لوجه على ارض لا تحتمل رأسين وقرارين وسلاحين، وادرك ايضا ان عون كان مستعداً في تلك اللحظة لتقديم كل انواع الوعود والتطمينات والضمانات كي ينفّس الاحتقان الأمني السائد وقتذاك في الشارع ويمرّر تلك الليلة المتوترة على خير، والانصراف إلى مشروعه الكبير، اي رئاسة الجمهورية.

وفي الرابع عشر من شباط 1989، اي بعد بضعة أشهر من تعيينه رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية، سقط الوعد الاول وانقض عون على القوات اللبنانية وكاد يطيحها لولا بعض التدخلات السياسية والكنسية، ولولا بعض الحسابات العسكرية الخاطئة، ثم سقط مرة ثانية عندما كمَنَ الجيش لموكب جعجع المتوجه الى قصر بعبدا، عند مستديرة المكلس، وكاد يرديه في عملية تنكّر لها عون ونسبها الى التباس في سير المواكب في تلك المنطقة العسكرية المتشابكة…

ولا يعني هذا ان جعجع كان ينتهج سياسة طوباوية حيال عون، اذ تحدثت تقارير متعددة عن محاولات اغتيال عدة تعرض لها الجنرال ونسبت الى القوات اللبنانية، في حين انقض على مراكز الكتائب في المتن وارغم الجميل على مغادرة البلاد متهما اياه بفبركة الحكومة العسكرية الانتقالية عن قصد، وتكليف عون التخلص من القوات اللبنانية ورئيسها الذي ينافسه على الزعامة المسيحية في المنطقة الشرقية، ليدركا لاحقاً ان الجنرال كان من أشد المهللين لسحب زعيم الكتائب من دائرة الحيثيات المارونية المؤثرة والمنافسة، وهو ما يفسر امتناعه عن نجدته عندما طلب النجدة، معتبراً انه بات في تلك اللحظة امام عقبة وحيدة هي عقبة القوات اللبنانية التي رفع في وجهها شعار “الجيش هو الحل”.

ولسنا هنا في وارد الدخول في المزيد من الكواليس والخفايا، انما في وارد الاضاءة على البدايات الصعبة التي صبغت العلاقة بين عون وجعجع والتي توّجت بحرب الالغاء التي حاول الجنرال الانتصار فيها ظنّاً منه انها ستؤدي حتما الى اسقاط الطائف وتكريسه رئيساً بالقوة او بحكم الامر الواقع، وظنّاً من جعجع ان الانتصار فيها او الصمود على الاقل سيستنفد الجيش ويؤدي حكماً الى التخلص من عون لا محالة، ومعتبراً ان الطائف ليس سوى محطة آنية يمكن الالتفاف عليها او على الاقل تعديلها وفق ميزان قوى تبين لاحقاً انه لم يكن في مصلحته لا من الداخل ولا من الخارج…

لقد كان الرجلان على استعداد لتبني أي اجراء او دفع أي ثمن كي يتخلص احدهما من الآخر، الامر الذي فتح الطريق أمام الرئيس حافظ الاسد الآتي منتشياً بمباركة اميركية بعد حرب الخليج، للانقضاض على المناطق الشرقية، والتخلص من عون اولا ونصب المكامن لقائد القوات اللبنانية ثانياً…

ودارت الدنيا دورتها، وعاد عون من باريس معتقدا ان الفضل في ذلك يعود الى قوته الشعبية وخرج جعجع من السجن، معتقدا ان الفضل في ذلك يعود الى حاجة العصب المسيحي اليه، متناسياً، على غرار عون، ان الفضل في ذلك يعود الى امرين اساسيين: اولا، التداعيات التي اعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وثانياً التحولات الدراماتيكية التي طرأت على السياسات الخارجية الاميركية بعد “التاسع من ايلول”….

(يتبع)