مازال لبنان، يعيش في مرحلة الترقب والانتظار، رغم حالة الانهيار العام، والوضع المعيشي المتردي، إلا أن القيادات والقوى السياسية مازالت تجبر الشعب على التمسمر عند أبواب المرحلة بحالة ترقب وانتظار لما ستؤول إليه الاتصالات والزيارات والتشاورات بين الأقطاب السياسية، وتبدع هذه القوى والقيادات في مرحلة الغرق الكامل أن تطرح المبررات والأعذار لتجعل من نفسها ضحية، وليس الجلاد .
وبين الصلاحيات والتوازنات الطائفية والحرص على الدستور و التمثيل الصحيح واسترضاء لمراكز القوى ، ضاع الشعب وتعرض الوطن بكل ما فيه لانهيار شامل .
وأمام واقع الحال، يقف الشعب منتظرا، يصطف الناس في طوابير الذل أمام محطات الوقود، قلقون على رغيف خبز يوم غد، وهل سنقطع الدواء، أم هل يمكن زيادة ساعات تقنين المولدات .. حياة صعبة ، والجميع بانتظار تشكيل الحكومة، ويراقب المواطن تطورات الأحداث، تصريح يدعو إلى التفاؤل لأن التشكيل في لمساته الأخيرة، وتصريحات تؤكد أن جميع العقبات قد أزيلت ولم يبق منها إلا القليل، وبعد ساعات أو دقائق تتبدد التصريحات والبيانات ويتبدل الدخان الأبيض بالأسود، وتعم عتمة الليل، دون كهرباء ولا بنزين، ولا حكومة ولا إتفاق ..
يترنح المواطن كأرجوحة أطفال بين بيانات تشير إلى أن التشكيل أصبح قرب جدا، ما يرفع من نسبة التفاؤل، وبين بيانات أو تصريحات تؤكد أن الشياطين تكمن بالتفاصيل، ما يجعل المواطن يعيش حالة ضياع، وإحباط وإذلال أمام حياته المعيشية، وظروفه الاقتصادية.
يقال مثلا، لقد تمكنت الأقطاب السياسية من تجاوز كل العقد، ولكن للأسف ما تبقى يتطلب وقتا وجهدا وتنازلات من الجميع، ما يؤخر ولادتها، المواطن مازال يقف في طوابير الذل، وقلق على مستقبل رغيف الخبز، ويجمع في بيته الدواء خوفا من انقطاعه .. المركب يغرق بمن فيه.
شكلت الحكومة أم لم تشكل، هل هناك مقومات جادة وفاعلة لانقاذ لبنان، من انهياره المعيشي، سأل أحد الأقطاب السياسيين، نظر هذا القطب يمينا وشمالا ، وقال لا يبدو أن هناك معالجات أو محاولات جادة لإنقاذ لبنان، ربما يرغبون في الانقاذ كل على طريقته وكل على السكة التي توصله إلى أهدافه، لكن حقيقة الأمر لا معالجات جادة في المدى المنظور لإنقاذ لبنان وأوضاعه المعيشية.
وما تشكيل أو عدم تشكيل حكومة إلا محطة يمربها لبنان، ربما تشكل حقنة مخدر في خاصرة المواطن، لكن في تاريخ لبنان شكلت الحكومات وانتخب الرؤساء وجرت الانتخابات وبقي لبنان يتجه أكثر نحو الانهيار والانزلاق إلى القاع.. اليوم إنقاذ لبنان وإخراج لبنان من محنته له أبوابه التي ليس من السهل على القوى التي كانت سببا في انهياره أن تكون قادرة على إنقاذه .
لبنان ذلك الوطن الجميل والعظيم الذي سقط من أجل تحرير أرضه من الاحتلال وعملائه آلاف الشهداء، وقدم الشعب من أجل حريته واستقراره وكرامة وطنه التضحيات الجسام، ليس من المنطقي أن تكون هذا هو مصيره ، لذلك هذا لبنان التاريخي وهذا الشعب العظيم الذي تعرض للمحن وواجه أقوى الأعداء شراسة يمكن له أن يعيد لحياته الاستقرار والنجاة، لكن ذلك يتطلب حكمة ووفاء وإخلاصا بعيدا عن التشعبات والمهاترات والتعصبات والعصبيات الطائفية والمذهبية واللاستزلامية ..
شعب لبنان لا يخلو من النخب والكادرات العلمية والوطنية، ومن حقها اليوم أن تتصدر المشهد الانمائي والسياسي في هذا البلد، وعقد المؤتمرات وجلسات الحوار بحثا عن سبل إنقاذ لبنان وشعبه.
من حق اللبنانيين اليوم، أن تتتوحد القوى الحية والقادرة من أجل تحديد طبيعة المرحلة والمخاطر التي أدت إلى انهيار لبنان، ومن حق الشعب أن يكون في صفوفه قوى وطنية تقوده وترفع من مستوى وعيه، لتحدد كيف وصل البلد إلى هذا المستوى من الانهيار وما هو البرنامج الانقاذي، ومن يمكن له أن يشارك في عملية الانقاذ.
لبنان اليوم يحتاج لقوى ونخب وطنية وتقدمية حية وقادرة على توحيد الجهود ، وتحديد ميادين الصراع.
ولكن للأسف، يبعدون عن عقول الشعب كل ذلك، ويطلبون منه أن يهتف لهم، وأن يتمسمر أمام شاشات التلفزيون يترقب وينتظر، شكلت الحكومة .. لم تشكل الحكومة.
ربما يرى البعض أن تشكيل الحكومة سيساهم في إنقاذ البلد، ربما، ولكن انهيار البلد أصبح مرضا مستعصيا يصعب معالجته لكن حتما ليس مستحيل فالارادات الوطنية الحية والقادرة مازالت موجودة في صفوف الشعب، ولبنان رحم ولاد، وخلاق .
شكلت الحكومة ، لم تتشكل، برأيي هذه تفاصيل، لأن انهيار البلد هو الاساس، فهل يمكن لتشكل حكومة جديدة إنقاذ البلد أم لا .. هذا السؤال الأساس حتى يتمكن المواطن من وضع تشكيل الحكومة أو عدمه في سياق وقف الانهيار .