تخطى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لغم تأليف حكومة “معا للانقاذ” وبسرعة قصوى صاغ بيانها الوزاري متوجها الى مجلس النواب لنيل الثقة.
وعلى قاعدة “التوافق قبل كل استحقاق”، فمن الثابت أن الحكومة ستنال الثقة، لا بل ستقفز بعدد الأصوات عن تلك التي حصل عليها الرئيس ميقاتي في الاستشارات النيابية الملزمة.
فكل الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة ستمنحها الثقة وعلى رأسهم “تكتل لبنان القوي” الذي لم يسمِ ميقاتي في الاستشارات، ولكن بمواقف استعراضية مهّد للثقة متحدثا عن تدقيق وتمحيص في البيان وشروط تبدأ من التدقيق الجنائي وتمرّ بإعادة هيكلة المصارف لتصل الى الإصلاح الماليّ والكابيتول كونترول والتحقيق في جريمة مرفأ بيروت.
استعراض “التيار الوطني الحر” تجلّى بإبداء ارتياحه للبيان الوزاري لأنه تضمن كل مطالبه التي تصب في خانة مكافحة الفساد وتوفير شبكة الامان الاجتماعي وإجراء الانتخابات في موعدها.
ولكن غاب عن التيار أن البيان الوزاري عادة لا يُطبق ويُنسى بعد نيل الحكومة الثقة، الا أنه لا يهم طالما أن التيار لاقى تبريرا لإعطائه الثقة للحكومة بعد حفلة التكاذب والغنج السياسي ونسج المعايير.
بنود البيان الوزاري فضفاضة صاغها الرئيس ميقاتي على أسس النأي بالنفس عن كل السجالات السياسية، التي قد تطيح التوافق على البيان وتمدد مهلة صياغته.
صحيح أنها شملت كل القضايا الحياتية والمعيشية والاقتصادية والمالية والقضائية، الا أنها منتقاة لغويا إرضاء للكتل المتناحرة وترحيلا للخلافات.
فمثلا يشدد رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره على الالتزام بإصلاحات المبادرة الفرنسية ومؤتمر سيدر وتوصيات ماكينزي، ووردت فعلا في البيان الوزاري، ولكن أليس من طيّر المبادرة الفرنسية وسيدر هو من يطالب اليوم بتنفيذهما؟! من نيّم خطة التعافي المالية غير لجنة المال النيابية التي يرأسها النائب االعوني ابراهيم كنعان؟! صحيح أن كل هذه البنود وردت في البيان ولكن تطبيقها مهدد بفعل التناحر السياسي.
هذا بالاضافة الى غيرها من البنود التي ستفجر العمل الحكومي، على رأسها ملف ترسيم الحدود البحرية الذي ينام مرسوم تعديله ( مرسوم 6433 ) في أدراج الرئاسة الأولى نزولا عند وعد قطعه عون بإيقافه في مقابل رفع العقوبات الاميركية عن باسيل.
ووفق معلومات “لبنان الكبير”، سيولي رئيس مجلس النواب نبيه بري الاهتمام في الجلسة لخرق العدو الاسرائيلي السيادة اللبنانية والاعتداء على ثرواته النفطية بتلزيم منطقة متنازع عليها، وخصوصا أن الصمت الرسمي كان مدويا لولا موقف الرئيس بري الذي كرت بعده المواقف والتحركات.
أما الملف الخلافي الأبرز فهو ملف الكهرباء حيث اكتفى البيان الوزاري بذكر استكمال هذه الخطة وإنشاء ما تحتاجه البلاد من معامل لتوليد الطاقة.
هذه العبارة تعيد معمل سلعاتا الى النقاش على قاعدة “لماذا لا يكون للمسيحيين معمل على غرار معملي السنة والشيعة؟”.
كذلك هرب ميقاتي من السجال حول حاكم مصرف لبنان والقطاع المصرفي باعتماد عبارة “وضع خطة لاصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم”، الا أن الأزمة ستستمر وستتمدد.
ومن سياسات الحكومة التي لم تُطبق سابقا ولن تُطبق لاحقا، هي إقفال المعابر غير الشرعية، الا أن الحكومة وعدت بالعمل عليها، وصدّق “التيار الوطني الحر” هذا الوعد وسيعطيها الثقة على أساسه.
وعن تحقيقات انفجار مرفأ بيروت كانت كافية عبارة التعاون بين الحكومة والمجلس النيابي لإجراء كل ما يلزم بشأن الحصانات والامتيازات، هذه العبارة تجنب الحكومة السجال ولكنها تشكل مادة سجالية مؤجلة، طالما أن السجال على الجهة الصالحة للتحقيق لا يزال قائما، القاضي العدلي أم المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء؟
ومن جهة منح الثقة للحكومة، فبالاضافة الى تكتل لبنان القوي سيمنح كل من كتلة الوفاء للمقاومةوالتنمية والتحرير والمستقبل والوسط المستقل واللقاء الديمقراطي والتكتل الوطني والقومية الاجتماعية الثقة، بالاضافة الى النائب المستقل جان طالوزيان، المنشق عن القوات، وسينضم أيضاً اللقاء التشاوري إلى الكتل التي ستمنح الحكومة الثقة باستثناء النائب المنشق عنها جهاد الصمد الذي يرجّح أن يحجب ثقته عنها لاعتراضه على اسم القاضي بسام المولوي كوزير للداخلية.
وأبرز من سيحجب الثقة أيضا هي كتلة الجمهورية القوية بأعضائها الثلاثة عشر، وسيتماهى النائب سيزار معلوف مع موقف القوات بحجب الثقة على الرغم من إخراجه من كتلتها، حيث سيُسجل إقبال من طالبي الكلام القواتي في الجلسة للتصويب على الحكومة والعهد وسياسة المصرف المركزي، ولإطلاق مواقف شعبوية بما يخص الازمات المعيشية وتحقيقات المرفأ، حيث يصلح الكلام بأن القوات ستطلق حملتها الانتخابية من تحت قبة البرلمان. وممن سيحجب الثقة أيضا عن الحكومة النائبين المستقلان جميل السيد وأسامة سعد..
توقع البعض أن يحجب حزب الله الثقة عن الحكومة أو يمتنع عن إعطائها الثقة وذلك نتيجة موقف الرئيس ميقاتي بخصوص باخرة النفط الايرانية حيث قال في مقابلة اعلامية: “انا حزين على انتهاك سيادة لبنان، ولكن ليس لدي خوف من عقوبات على لبنان، لان العملية تمت في معزل عن الحكومة اللبنانية”، الا أن مصادر حزب الله أكدت أن الحزب يفصل موقف ميقاتي هذا عن قضية الثقة وسيمنح الحكومة ثقته.
في الشكل، تبدو عملية الحكومة مسهلة وانطلاقتها واعدة، الا أن الدخول في المضمون وتفاصيل الملفات السجالية يؤكد أن الكباش السياسي قائم، ولكنه صامت مرحليا ليطفو على طاولة مجلس الوزراء في حينه، فكيف سيوفّق ميقاتي بين تناقضات مصالح القوى السياسية؟