عبد اللهيان “يتشاطر” على اللبنانيين لتشريع النفوذ عبر الحكومة

10 أكتوبر 2021
عبد اللهيان “يتشاطر” على اللبنانيين لتشريع النفوذ عبر الحكومة
وليد شقير
وليد شقير

أنهى وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان زيارته إلى منبر بيروت السياسي والإعلامي، بعد ساعات مما يفترضه إغراءات وعروضاً واستعدادات لتنفيذ مشاريع كبرى في لبنان.

في مطلع زيارته، تحدّث عبد اللهيان عن “التشاطر” مع لبنان في العديد من المواقف، قاصداً “التشارك” في التوجّهات السياسية، طالما أنّ طهران استطاعت أن تفرض نفوذها على السلطة السياسية في البلد منذ نجاح “حزب الله” في إيصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية في العام 2016.

إلا أنّ عبد اللهيان حاول أن “يتشاطر” على اللبنانيين، لأنه يعلم أنّ أكثريتهم لا تتشارك أو تتشاطر معه المواقف والتوجّهات السياسية.

قضى الاستعراض السياسي الإعلامي الذي قام به الوزير الإيراني كالعادة عند المسؤولين الإيرانيين، بأن يأخذ اللبنانيين وقواهم السياسية كلها على أنهم مثل “حزب الله” الذي يتعاطى مع طهران على أنها قبلته السياسية، حتى لو جاء حديث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن أنّ المملكة العربية السعودية هي قبلته السياسية، لإحداث نوع من التوازن، ولو اللفظي، مع الاندفاعة الإيرانية المُحدثة في اتجاه لبنان.

فعبد اللهيان زار بيروت على “صهوة” بواخر المازوت، وعلى ظهر التفاهم الفرنسي الإيراني حول إنهاء الفراغ الحكومي، ووسط التباس المواقف الأميركية من أبعاد الإعفاءات للبنان ومصر والأردن وسوريا من عقوبات قانون قيصر على تمرير الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية.

فعلى رغم نفيه أن تكون الحكومة ولدت نتيجة التواصل بين الرئيسين الفرنسي والإيراني، يبدو أنّ عبد اللهيان لا يريد حتى أن يتشاطر مع باريس قيام الحكومة الجديدة، معتقداً أنّ باستطاعته إيهام اللبنانيين بأنّ بلدهم مستقل وذات سيادة، متجنباً الاعتراف بأنّ القيادة الإيرانية اختارت الوقت المناسب لها من أجل الإفراج عن حكومة لبنان، فضلاً عن تفاديه الإيحاء بتدخّلها لدى “حزب الله” كي يطلب من حليفه عون تسهيل ولادتها.

هو رمى رفض الوصاية الخارجية على اللبنانيين، بعدما وقعت الواقعة وفرض التدخّل الإيراني من الخلف، وعبر حليف طهران الموثوق به، والمطيع، الفريق الرئاسي و”التيار الوطني الحر” فراغاً حكومياً دام 13 شهراً أوقع البلد بمزيد من العوز والفقر والعتمة، بحيث بات موضوع تنافس على انتشاله من الحفرة، يمكن لطهران أن تصبح شريكاً فيه.

بعدما سعت طهران إلى الشراكة في إدارة شؤون البلد عبر معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، أضاف عبد اللهيان إلى تلك المعادلة ركناً رابعاً هو الحكومة.

إذ أنّ طموحها لأن تقتحم المنافسة على دور اقتصادي في لبنان، من خلال المشاريع التي اقترح تنفيذهافي بناء محطتي كهرباء في بيروت والجنوب، وإعادة إعمار المرفأ، وبيع المحروقات، والاتجار بالمواد الغذائية وبالأدوية و”المستحضرات الطبية”، يحتاج إلى موافقة الحكومة. تسعى طهران إلى تشريع انتقالها إلى لعب دور اقتصادي عن طريق الحكومة، إذا كانت تنوي ترسيخ نفوذها السياسي على المسرح اللبناني الذي تعارضه أكثرية اللبنانيين ومعظم طوائفهم، وهذا غير ممكن أن يتم عن طريق المعابر غير الشرعية انطلاقاً من مرفأ بانياس، كما هي الحال بالنسبة إلى المازوت والبنزين.

يسابق عبد اللهيان مفاوضات فيينا التي أعلن أثناء زيارته بيروت وقبلها، أنّ بلاده ستعود إليها باستعراض نفوذ بلاده في الدول التي سيطرح الجانب الأميركي ومعه سائر الدول الأوروبية مطلب وقف تدخلاتها فيها، والتي يعتبر المجتمع الدولي أنها تدخلات تزعزع الاستقرار الإقليمي.

وليس صدفة أن يسعى لاقتحام مجال المنافسة على الدور الاقتصادي في لبنان، قبل ساعات من انتقاله إلى سوريا.

فطهران سعت إلى ترسيخ نفوذها في بلاد الشام، الذي تتنازع مع روسيا عليه، ليس عبر وجودها العسكري فحسب، بل عبر حضورها الاقتصادي والتجاري والعقاري أيضاً، حيث استحوذت على العديد من المساحات في دمشق العاصمة وريفها، وصولاً إلى الحدود مع لبنان، وفي الجنوب السوري.

وهي في لبنان لا تزاحم الدول الغربية القديمة الجذور في البلد فقط، بل تزاحم أيضاً المساعي الروسية، لأنّ موسكو سبقتها إلى سوق استخراج النفط لشراكتها عبر “نوفاتك” مع “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية، في الحصول على ترخيص التنقيب عن النفط في المياه اللبنانية، فضلاً عن إبدائها الاستعداد للمساهمة في إعادة إعمار المرفأ الذي بات قضية سياسية وأمنية على الصعيد الدولي، وليس استثماراً اقتصادياً. بات جموح الدول نحو تقاسم النفوذ في لبنان امتداداً التزاحم على سوريا، انسجاماً مع وحدة المسار والمصير في الدولتين، حيث اضمحلت الدولة فيهما لصالح التفكك والاهتراء.

يستثمر عبد اللهيان في العتمة السياسية اللبنانية التي تنتج العتمة في إنارة حياة اللبنانيين، لكن مفعول استعراضاته ورسائله من المنبر اللبناني لن تظهر قريباً سواء سلباً أم إيجاباً.