قراءة حسنة النيّة في الزيارة الـ “عبداللّهيانية”

11 أكتوبر 2021آخر تحديث :
قراءة حسنة النيّة في الزيارة الـ “عبداللّهيانية”

Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/beirutnews/public_html/wp-content/themes/newsbt/includes/general.php on line 742
 عبدالوهاب بدرخان
عبدالوهاب بدرخان

جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللّهيان إلى بيروت لمباركة الحكومة اللبنانية الجديدة، بعدما أجازت طهران ولادتها عبر “حزبها”، أحد الجيوش “الستة” التي أنشأها قاسم سليماني؛ الأب الروحي لعبداللّهيان.

وفيما تعدّ الحكومة عدّتها لبدء العمل مع المؤسسات الدولية، كان لا بدّ لإيران أن تستبق أي تحرّك لتُفهِم الداخل والخارج أنّ لها حصّتها من الأعمال المرتقبة في لبنان، فهذا جوهر التفاهم بين ايمانويل ماكرون وإبراهيم رئيسي، استناداً إلى أنّ العقوبات الأميركية ستُرفع وستكون طهران قادرة على الاستثمار في “دولة حزب الله”، الدولة التابعة لمحورها.

لذلك، أكثرَ الوزير من الحديث عن “التعاون بين الدولتين” والحكومتين، وبدا متيقّناً بأنّ المعادلة ستكون كالآتي: برنامج صندوق النقد الدولي مقابل البرنامج الإيراني الذي أخذت الحكومة علماً بوجوب أن تحسب له حساباً. لا يمكن للبرنامجين أن يتعايشا.

أشار عبداللّهيان إلى قطاعات الكهرباء والطاقة، ولم يتطرّق إلى مرفأ بيروت، العزيز على قلب “حزب إيران/حزب الله”، الذي يريد طمس الحقائق في جريمة تفجيره، فهل أنّ المرفأ متروك لفرنسا، وهل أنّ الكهرباء مطروحة للتقاسم، وهل أنّ الحديث عن المشتقات النفطية يُراد به أولاً “شرعنة” البواخر الإيرانية، طالما أنها شقّت طريقها بتغطية أميركية ولو قسرية، أو لأنه لن يكون هناك بديل آخر لاستيراد المحروقات في المستقبل القريب.

أما الأدوية والأغذية والمستحضرات الطبّية، المقترحة بين الصادرات الإيرانية، فيبدو أنها تحصيل حاصل في تثبيت اقتصاد العقوبات والفقر، باعتبار أنّ إيران و”حزبها” يريدان حلّ الأزمة التي ساهما في صنعها وتعميقها، مبديين استعداداً لإنشاء “مترو الأنفاق” لتوظيف خبرتهما في حفر الأنفاق لتمرير السلاح غير الشرعي وغيره.


الصدفة أو البرمجة السياسية المدروسة، جعلتا حلول الوزير الإيراني والموفد الفرنسي (بيار دوكان) معاً في بيروت موضع مقارنة.


فالأول بنى على “كسر الحصار” ببواخر البنزين والمازوت ليبدو حاملاً “مكرمات” وعروضاً “سخيّة”، والآخر جاء لمراجعة جديدة للشروط القاسية للمساعدة.

لم يسأل الإيراني عن الإصلاحات ولا يهتمّ بها، لأنّ بلاده عوّلت دائماً على الخراب والفوضى لتمرّر مشاريعها.

أما الفرنسي فلا يزال عند منطق مشروع “سيدر”، ولو معدّلاً، ولعله يعرف أنّ “حزب إيران” تكفّل مع حلفائه إحباط “سيدر” وسيقتادهم إلى عرقلة أي خطط أخرى يُشتبه في أنها لا تناسب هيمنته على الدولة اللبنانية.

والأول، عبداللّهيان، لديه الحاكم الفعلي وأتباعه الذين برهنوا عملياً عن قدرة على التصرّف بالبلد كما يشاؤون.

والآخر، دوكان، يتعامل مع الحكومة، أي مع أتباع من الدرجة الثانية يحكمون صُوَرياً أو على الورق، لكنهم لا يملكون قرارهم.


ففكرة أنّ الحكومة صاحبة السلطة، بموجب “دستور الطائف”، استطاع “حزب إيران” أن يزعزعها بالاغتيالات والترهيب، قبل أن يعتمد على حليفه “العوني” للإجهاز عليها.


بدأت طهران إذاً خلط أوراق حكومة “معاً للإنقاذ”، لتدخل منافسةً مع المجتمع الدولي، على الرغم من أنّ “الإنقاذ” ليس قاموسها السياسي ولا في عقلية “الحرس الثوري” (انظر إلى سوريا والعراق واليمن وغزّة).

هذا لا يمنع الحرباء من أن تبدّل لون جلدها لتنسلّ كأنها والجسم اللبناني واحدٌ.

وما جاء به عبداللّهيان، يرفد “حزب إيران” وحلفاءه بأوراق ومشاريع ومصالح يمكن “الحزب” أن يبني عليها ليقول، ولتقول ببغاواته، إنّ “الجمهورية الإسلامية” توفّر للبنان بدائل، فلا داعي لإصلاحات مؤلمة طالما أنّ العلاج متوافر في المراهنة على الصبر وانتظار إيران.

هذا الخيار كان لدى “الحزب” منذ بدأ حسن نصرالله يدلي بنصائحه “الاقتصادية”، ملحّاً على الدعوة إلى “الاتجاه شرقاً”. وأن تكون هناك حكومة مدعومة بانفتاح غربي عليها لا يغيّر شيئاً في المشروع الإيراني.

على الرغم من أنّ عبداللّهيان أحد الوجوه الأكثر صقورية في نظام طهران، والممثل “الشرعي” لـ”ديبلوماسية الحرس” التي اشتكى منها محمد جواد ظريف، إلا أنه مارس لطافةً غير متوقعة، إذ قال إنّ إيران “تكنّ احتراماً كاملاً لسيادة لبنان”، مؤكّداً “رغبتها في بذل جهودها لدعم لبنان من خلال التعاون بين الحكومتين”.


وبما أنه ختم لقاءاته مع نصرالله، فقد كان الأحرى به أن يبلغ مضيفه بذلك “الاحترام الكامل للسيادة”، خصوصاً أنّ زيارته تأتي في مسلسل وقاحات مبرمجة يقدم عليها “الحزب” وتبدو كرجع صدىً لوقاحات إيرانية.


فمن تهديدات وفيق صفا للقاضي طارق البيطار، إلى ضغوط نعيم قاسم على نجيب ميقاتي في شأن التطبيع مع نظام بشار الأسد، إلى وعيد هاشم صفي الدين (الرجل الثاني الحقيقي في “الحزب”) بإخراج الأميركيين من لبنان وما ينطوي عليه من تلميح إلى المؤسسة العسكرية، لا يبدو “الحزب” منتهكاً “كامل السيادة” فحسب، بل متأهباً للاستيلاء العلني والمباشر على ما تبقّى من الدولة.

كانت هناك رسائل كثيرة في زيارة عبداللّهيان.

منها أولاً للمجتمع الدولي: لبنان لم يعد لبنان الذي تعرفونه، أصبح تابعاً لإيران، وحكومته ليست “حكومة حزب الله” كما تقولون، بل هي حكومة الوليّ الفقيه، ولّى الزمن الذي كان فيه هذا البلد قطعة من الغرب، وعلى أي جهة دولية تبحث عن مصلحة لها فيه، أن تراجع طهران… ومنها ثانياً إلى العرب: إذا كانت هناك دولٌ غربية تبذل جهوداً لديكم كي تسترجعوا مكانةً ودوراً كانا لكم في لبنان، فنصيحة إيران لكم أن لا تعودوا، ابقوا على انكفائكم وعنادكم إذ لم يعد لكم موطئ قدم هنا، وكل ما هو متاح لكم أن تأتوا للسياحة إذا أردتم، فهذه فرصتكم للتمتّع بـ “الاستقرار” في حِمى “محور الممانعة” وميليشياته.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.