“7 أيار” مسيحيّة… لم تمرّ

18 أكتوبر 2021
“7 أيار” مسيحيّة… لم تمرّ
 جورج حايك
جورج حايك

لا شك في أن “حزب الله” لا “يرتجل”، والعملية العسكرية التي حصلت الخميس 14 تشرين الأول كانت محضّرة، بدليل الاستخدام السريع للسلاح وجهوزه في أيادي مسلحي “الحزب” بين قصر العدل والطيونة وعين الرمانة.

أما مطلقو النار على التظاهرة “السلمية” الذين يزعم “الحزب” وجودهم في محيط قصر العدل فيكادوا يكونون “حصان طروادة” لتبرير كل ما حصل لاحقاً، والهدف توجيه رسائل إلى جبهات عدة من خلال تنفيذ ما يشبه “7 أيار مسيحيّة” يستكمل فيها “الحزب” إخضاع الأصوات المتمردة في الوسط السياسي المسيحي، وخصوصاً تلك التي تدعم قاضي التحقيق طارق البيطار.

مؤشرات عديدة سبقت ما حصل: كلمات الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله التصعيديّة، تهديد المسؤول عن وحدة الارتباط والتنسيق في “الحزب” وفيق صفا للبيطار، استعراض قوة لوزراء “الحزب” في مجلس الوزراء وتعليق مشاركتهم في الحكومة حتى حسم مسألة البيطار، وأخيراً انتشار معلومات عن احتمال تنفيذ “الحزب” 7 أيار جديد.

هذه الأجواء سبقت التظاهرة “السلميّة” التي طمأن فيها منظمو التظاهرة الأجهزة الأمنية بأنهم ليسوا بصدد الشغب والتسلح، والمفارقة ان الحزب لا ينظّم تظاهرة من دون أن يكون ممسكاً بالأرض مع انتشار لأمنه الخاص في الموقع، وتالياً لا شيء عفوياً، بل قصر العدل هو المكان الملائم للانتشار بسرعة نحو شوارع عين الرمانة حيث المعقل المسيحي الأكثر رمزيّة للأحزاب المسيحية منذ أيام الحرب الأهلية وخصوصاً “القوات اللبنانية”.

حتماً تعمّد “الحزب” التصعيد، على الرغم من أنه حتى هذه اللحظة لم يوجّه اليه القاضي البيطار أي اتهام، بل “يكاد المريب يقول خذوني” من شدة رفضه لعمل البيطار والإجراءات التي أخذها، وتمادي “الحزب” بهذا الاداء “الفوقي” وغير المفهوم، بدا غير مقبول للأحزاب المسيحيّة، مما دفع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى دعوة اللبنانيين إلى الاستعداد للمواجهة والنزول إلى الشارع، وحرص على الكلام عن اقفال سلمي ربما يتطوّر إلى تظاهرات داعمة للقاضي البيطار للتأكيد أن هناك شارعاً مقابل شارع، مما زاد في حنق “حزب الله”.

حصل ما حصل في عين الرمانة من اعتداءات على المباني والشوارع والمواطنين، لكن 7 أيار بنسختها المسيحية لم تمرّ بسلام بالنسبة إلى “الحزب” هذه المرة، وتعامل أهالي عين الرمانة ومعظمهم من المؤيدين لـ”القوات” و”الكتائب” بأعصاب باردة مع انتهاكات عناصر “الحزب” ووقاحة اعتداءاتهم، فكانوا منظّمين وعرفوا كيف يدافعون عن أنفسهم وتمكنوا من كبح جماح “الحزب” وحركة “أمل”.

وبدت المعركة خاسرة للثنائي الشيعي بل أشبه بمعركة عرب خلدة الجبابرة واحتجاجات أهالي شويا الشجاعة ضد إطلاق الصواريخ من اراضيهم.

في المحصلة، وجد “الحزب” نفسه يتقهقر أمام أهالي عين الرمانة المعتادين على خطوط التماس والمواجهات منذ أيام الحرب، بعدما كان يصفه الممانعون بـ”اسطورة المقاومة”، لكن الأهم في الموضوع هي الرسائل التي أراد “الحزب” ارسالها إلى مرجعيات سياسية وروحية عدة هي كالآتي:

الرسالة الأولى إلى مجلس الوزراء والرئيس مجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون المتعاطفين مع القاضي البيطار، وبالتالي أراد “الحزب” ترهيب هؤلاء، والقول لهم أنه “طفح الكيل”، وهو مستعد لإحراق البلد إذا لم يتخلوا عن البيطار سلمياً، وليس معروفاً ما إذا كانت الرسالة حققت النتائج المرجوة، وهذا ما قد تظهره الأيام المقبلة.

الرسالة الثانية إلى “القوات اللبنانية” التي تقلق بشعبيتها المتنامية “الحزب”، وخصوصاً ان كل استطلاعات الرأي تشير إلى تقدمها على الأحزاب الأخرى في الشارع المسيحي، ولم يوفّر “الحزب” مع حليفه “التيار الوطني الحر” أي اخبار ملفقة لاستثمارها ضد “القوات”، وتشويه سمعتها وليست قضية الأخوين صقر إلا برهان على هذا الأمر.

ولم يتردد “الحزب” بعد معركة الطيونة – عين الرمانة في اتهام “القوات” بأنها نصبت كميناً للمتظاهرين حتى ما قبل انتهاء الأجهزة الأمنية من التحقيق، وهذا ما يؤكد أن “الحزب” مصمم على النيل من “القوات” وخلق مشكلة لها قبل الانتخابات النيابية.

لكن هذا الاداء قد ينقلب على “الحزب”، إذ يكرر ما فعلته الحركة الوطنية في السبعينيات مع حزب “الكتائب” ومحاولات عزله، مما أكسبه شعبية واسعة في الشارع المسيحي، وبات المسيحيون يعتبرونه حاميهم الأول، وهذا ما يحصل اليوم مع “القوات” حتى انها لاقت نتيجة اتهامات “حزب الله” الذي استخدم سلاحه على اللبنانيين مرات عدة، احتضاناً من المسيحيين والمسلمين معاً.

الرسالة الثالثة إلى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي يبدو أنه أزعج “الحزب” في مطالبته بالحياد والمؤتمر الدولي من أجل لبنان، وعظاته النارية الداعمة للقاضي البيطار باستمرار، وهذا ما بات واضحاً.

فالبطريرك يكاد يكون المرجعية الوطنية الوحيدة التي تحمل مشروعاً سياسياً عابراً للطوائف، تجمع عليه كل القوى السياسية اللبنانية باستثناء “حزب الله”، ويلاقي مشروعه تأييداً عربياً ودولياً، فظن “الحزب” ان استخدام القوة قد يخيف البطريرك الراعي، إلا انه واضح ولا يحيد عن الثوابت التاريخية للبطريركية المارونية في ما يخص الدولة اللبنانية الفعلية وسيادتها واستقلالها وحيادها.

الرسالة الرابعة أراد “الحزب” ابلاغها إلى كل الجهات المحلية والاقليمية والدولية الطامحة إلى اجراء انتخابات نيابية في لبنان، وبالتالي حاول القول “الأمر لي”، وأنه قادر على استخدام الورقة الأمنية لإبعاد كأس الانتخابات النيابية المرّة إذا شعر بأنها لن تكون لمصلحته.

كل أهداف “الحزب” فشلت في أزقة عين الرمانة “العنيدة”، لكن يبقى المعني الأول باعتداءات “الحزب” وانتهاكاته لكل الحرمات هو الشعب اللبناني بكل أطيافه، وبات سلاحه موجهاً إلى صدور اللبنانيين لا العدو الاسرائيلي، وهنا بيت القصيد، واستغراب اللبنانيين يزداد مع معارضة “الحزب” الشرسة للقاضي طارق البيطار، وكثر يتساءلون ترى ما الذي يعرفه “الحزب” عن التحقيق حتى بلغ تصعيده الذروة في الأيام المنصرمة؟ لكن أهم ما حصل أنه على الرغم من كل الترهيب والتهديد لم يتراجع القاضي البيطار، وهو مستمر في مهمته حتى هذه اللحظة مما ينذر بأيام صعبة آتية على لبنان واللبنانيين.