“ضربني وبكى…سبقني واشتكى”

24 أكتوبر 2021آخر تحديث :
“ضربني وبكى…سبقني واشتكى”
د.أحمد عبدالله عاشور
د.أحمد عبدالله عاشور

خاب ظنّي عندما توقّعت الاعتذار وتهدئة الأمور في خطاب السيد حسن نصر الله، الأمين العام لـ”حزب الله”، لكنه أخذ التصعيد والإثارة والتهديد المبطّن وشهوة السطوة والسلطة مساراً بديلاً عن لغة العقل والتهدئة والتعايش السّلمي. بعض البشر لديهم قدرة عظيمة وعجيبة على قلب الحقائق عن مسارها الطبيعي وافتعال الأحداث واستغفال فئة كبيرة من الشعوب والتأثير عليهم بأحاديث معسولة وبأمور عاطفية والعزف على مشاعر الوطنية أو الطائفية أو التخويف من الطرف الآخر والادّعاء بحماية طائفة دون أخرى.

إنّ مجرى الأحداث واضح جداً من تقارير الجيش والإعلام وصور الفيديو، من انجراف التظاهرة وتكسير الممتلكات وهتافات استفزازية، ولا يحتاج إلى ذكاء وفطنة أو دليل أنّ جماعة “الحزب” هم من افتعلوا هذه المواجهة، ولم تكن المسيرة سلمية، وإلا كيف ظهرت الأسلحة بأيدي المتظاهرين فوراً بما فيها الـ”آر بي جي”؟ ثم يأتي دور السيد حسن ويظهر باكياً ومتشاكياً متّهماً الأطراف الأخرى، ويشنّ هجوماً شديداً عليهم، مطالباً بشروط غير منطقية تتضمّن اتهام قاضي التحقيق (طارق البيطار) مطالباً بعزله، وتعدّى الأمر إلى اتهام الجيش والقوى الأمنية بالقصور، وفرض رأيه بالقوة على الجميع وتجاهل القانون، ممّا يؤدّي إلى تقسيم البلاد وجرّها نحو مزيد من الفوضى والانقسام والضياع وتعطيل أي إصلاح، وتهجير الأبناء وتشريدهم عن موطنهم.

لماذا لا يلجأ إلى الأجهزة القضائية في أي ملاحظة أو معارضة لديه، بدلاً من الدعوة للتظاهرات؟ لماذا لا ينتظر نتائج التحقيق الأولية؟

إنّ استخدام الشعارات ولغة القوّة والتّهديد وغياب المنطق وإثارة النعرات بين الشعب الواحد، هي حجّة العاجز ودعوة للأحزاب الأخرى للتسلّح استعداداً للمواجهة وحماية نفسها. فهل ينبغي تسليح كل لبناني ليدافع عن نفسه وبيته وطائفته؟ أين وظيفة ودور الأجهزة الأمنية والجيش؟

وضع بعض المسؤولين أنفسهم في مواقف حرجة ومآزق لا يمكن الخروج منها من دون إراقة ماء الوجه، أو تسويات ترضية مشبوهة بين الأحزاب، أو الدخول في صراعات مسلّحة وجرّ البلاد إلى حروب ودمار وجوع وفقر، ثم ظهروا في الإعلام بدور الباكي المظلوم. لكن الرأي العام ليس غبياً ليصدّق هذه المهزلة والمبررات الواهية من جميع الأطراف.

إنّي أشك كثيراً في هويّة أولئك المسؤولين وانتمائهم لوطنهم الأم لبنان، وهل فعلاً هم مواطنون لبنانيون على هذه الأرض، وإلّا كيف ارتضوا تدمير بلادهم وأنزلوها إلى الحضيض بعد رصيد كبير من العلم والثقافة والصناعة وترسانة من الفن والأدب والإعلام.

استشرى الفساد بين المسؤولين في لبنان بطريقة مريعة، وأصبح مضرب الأمثال، ولم يستطع طرف قمعه، وبلغ الأمر بالتفاخر به بين بعضهم البعض. غابت لغه العقل والتسامح والحكمة وبعد النظر بين حكام هذا البلد، وضاعت الرحمة من قلوبهم أمام مشاهد الجوع والفقر والذل والغلاء.

أتمنى أن يتخلّص لبنان من هذه الشرذمة من الحكام المسؤولين الذين لا همّ لهم سوى مصالحهم الشخصية وشهوة السلطة والدعوة إلى الانتقال إلى عهدٍ جديد تجنّباً لأي صراعات داخلية تؤدّي إلى الخراب.

أسأل الله أن يحمي لبنان وشعبه من أبنائه، قبل أعدائه.

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.

المصدر لبنان الكبير