معادلة السقوط: البطريرك و”الأستاذ” يقايضان الدولة بسلم أهلي!

27 أكتوبر 2021
إسقاط ما تبقى من مؤسسات الدولة ورمزيتها
إسقاط ما تبقى من مؤسسات الدولة ورمزيتها
منير الربيع
منير الربيع
كل ما يجري يؤشر إلى أن لبنان دخل في مدار السقوط السياسي المباشر، تحت سيطرة حزب الله. وسقوط الدولة بكل معالمها ومؤسساتها.
ليس حزب الله وحده من يتحمّل مسؤولية هذا السقوط، إلا أنه وحده صاحب مشروع سياسي استراتيجي له امتداداته الإقليمية والدولية. وينطلق الحزب في حساباته ومعادلاته من منطق متوارث بين الطوائف والفرق اللبنانية، على قاعدة لكل “زمان دولة ورجال”.
وحالياً موعد دولة حزب الله، بكل ما تعنيه من حرص على إبقاء العلاقات المفتوحة مع القوى الأخرى، بشرط أن تكون هذه القوى راضية بما يمليه الحزب ويفرضه من سياقات سياسية، داخلية وخارجية، وما تفرضه هذه السياقات على موجبات ومقومات العيش في لبنان.
ميزان القوى يميل إلى صالحه ويريد الاستثمار بذلك، وعلى الآخرين أن يطبّعوا معه وفق ما يعتبر ويريد. أما من يكون معارضاً له فسيلقى الكثير من المصاعب.

توازنات ومقايضات
لم يعد من حاجة للاستشهاد بالكثير من الشواهد، على الرغم من وجود مكامن قوى أخرى تحرم الحزب من إعلان السيطرة المطلقة على البلد، أولها تركيبة النظام داخل الدولة وبنيتها، فهي محكومة بمراعاة توازنات متعارضة ومتناقضة ومتعددة. وثانيهاً، وجود قوى سياسية ومؤسسات داخلية وخارجية مؤثرة جداً في المسارات اللبنانية، من مصرف لبنان إلى القضاء والمؤسسات الأمنية والعسكرية وغيرها، وصولاً إلى حدّ عدم قدرة الحزب على تنحية القاضي طارق البيطار، إلا من خلال البحث عن نقاط سياسية يتم المراكمة عليها، للوصول إلى قاعدة المقايضة بين الملفات، مثلما حصل مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في وضعه بخانة قضائية متعارضة مع ما كان يطرحه سابقاً، وصولاً إلى تقديم وكلاء الدفاع عنه طلب ردّ القاضي فادي عقيقي عن النظر بتحقيقات الطيونة، في موقف مشابه لطلبات القوى الأخرى برد القاضي طارق البيطار عن التحقيق بتفجير المرفأ.

حدّ السيف
أصبح هناك ما يشبه التوازن في الملفات القضائية التي يجري الصراع حولها، وهذا أبرز الدلائل على إسقاط ما تبقى من مؤسسات الدولة ورمزيتها، وضرب ما تبقى من إستقلالية قضائية.

وصل لبنان إلى حدّ السيف، بين معالجة ولملمة ملف استدعاء جعجع مقابل معالجة ملف طريقة عمل القاضي طارق البيطار، فإما أن تكون النتيجة السياسية تسووية على الطريقة اللبنانية، وبالتالي، تكون على حساب القضاء والمؤسسات، بفعل موازين القوى على الأرض، وفرض وقائع نجح حزب الله بفرضها في أحداث الطيونة، استدرجت الجميع إلى الملعب الذي يريده.
أما بحال أصر الجميع على الوقوف في مواقفهم فيعني أن الوضع ينذر بانفجار كبير.

تلافياً لهذا الانفجار، جاءت حركة البطريرك الماروني بشارة الراعي باتجاه الرؤساء بحثاً عن حلّ لمنع التفلت وإبعاد شبح الانفجار.

والراعي يرفض مبدأ المقايضة، ويعمل على لملمة ملف جعجع وعدم مفاقمته، مع ما سيؤدي ذلك إلى مشاكل كبيرة على الأرض وتوترات، وانعكاسات مسيحية قد تخدم جعجع مرحلياً، لكنها تؤدي إلى إحياء انقسام خطير جداً.
ويسعى الراعي لإيجاد صيغة تسوية يستمر فيها البيطار بعمله كمحقق عدلي، ولكن يُترك ملف الرؤساء والوزراء والنواب إلى المجلس الأعلى الخاص في محاكمتهم.
في كلتا الحالتين وصل لبنان إلى مشارف السقوط النهائي، إما في دوامة سياسية ستؤدي لاحقاً إلى تغيير الكثير من مرتكزاته، وإما في مشهد سيؤدي إلى إنهيار كلي وكامل في مختلف القطاعات والمؤسسات.

اقتراح برّي
وهنا تقول المعلومات إن الرئيس نبيه بري أقنع الراعي باقتراحه الأساسي الذي يشكل مدخلاً للحل.

وهو ترك مسألة التحقيق مع الرؤساء والوزراء والنواب للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ومن أجل ضمان حق أهالي الضحايا، تم اقتراح فكرة أن يتقدم الأهالي بدعوى قضائية أمام المجلس النيابي أو أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، بحق الوزراء الذين يعتبرونهم مسؤولين عن ما جرى أو مقصرين بالقيام بمهامهم. وافق الراعي على هذا الطرح واعتبره مبادرته.
ولكن هناك تساؤلات كثيرة لا بد من طرحها، هل القاضي طارق البيطار سيوافق مع مجلس القضاء الأعلى على ذلك؟ وهل سيرضى الأهالي بذلك؟ وماذا عن معالجة قضية الطيونة؟

أيام حاسمة يعيشها لبنان.

حتى الآن، معالم التسوية السياسية لم ترتسم ولم تتضح. ولا بوادر لها. الأربعاء حافل بالتحركات، خصوصاً من قبل مناصري جعجع على طريق بكركي معراب.

ويرفض جعجع التنازل، ولن يكرر تجربة العام 1994. في المقابل، ليس في قاموس حزب الله أي قاعدة للتراجع أو التنازل وكذلك بالنسبة إلى التيار الوطني الحرّ، ومعلوم أنه في السياسة ثمة قاعدة لا بد لأي سياسي من الركون إليها، وهي أنه معرض للخسارة كما هو معرض للربح.

وبالتالي، عليه أن يعرف متى يربح ومتى يخسر وكيف.

هذه القاعدة غير متوفرة لدى حزب الله والتيار الوطني الحرّ.

وفي حال استمر الضغط على جعجع وصولاً إلى رفض طلب رد القاضي عقيقي مقابل عدم حضور رئيس حزب القوات للإدلاء بإفادته، وبحال أصدر عقيقي مذكرة توقيف بحقّه، يعني أن الانفجار سيصبح أقرب من ذي قبل.

خصوصاً ان حزب الله يعتبر قضية الطيونة قد وصلت إلى يده، لمواجهة جعجع بها واستخدامها عندما يريد، فيما مصلحة رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ تقتضي ضرب جعجع وتطويقه أكثر.

وهنا لا يمكن إغفال مصلحة النظام السوري في ذلك.

سيقود كل هذا إلى ضغوط سياسية كبيرة تعيشها القوات اللبنانية، لكنها في النهاية ستصب في صالحها شعبياً وانتخابياً.