هكذا يهرب “حزب الله” لبنان تحت عباءة المرشد الأعلى

1 نوفمبر 2021
هكذا يهرب “حزب الله” لبنان تحت عباءة المرشد الأعلى
فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا يمكن إلقاء اللوم على المملكة العربية السعودية ودول الخليج، نتيجة مواقفها الحادة من لبنان اليوم.

لقد “تدلّعت” الحكومات اللبنانية المتعاقبة كثيرا وباعت الكلام المعسول والتصريحات الغزلية، من دون أي إجراءات تعزز الثقة وخلق شبكة أمان حقيقية تحمي الطرفين من سياسات السوء وتخريب الأمن، ومن التدخلات العسكرية لحزب الله في الدول العربية، حتى ولو كانت إجراءات شكلية، كالقبض على مهربي حبوب “الكيبتاغون” إلى السعودية، تارة وسط فاكهة الرمان، وأخرى داخل مواد البناء وما شابه.

وكم من مسؤول في الحزب كُشِف اسمه وهو يدرّب جماعات الحوثيين في اليمن، أو يوجه صواريخ باليستية نحو أراضي المملكة، وتُرِك من دون القبض عليه ومن دون سؤال أو عقاب.

لم تجرؤ أي حكومة على وضع سلاح حزب الله وتدخلاته في الخارج على جدول أعمالها.

وكم من حوار وحوار تركت مقرراته معلقة، وأدى إلى عكس ما يجب، أي تم تعزيز وجود الحزب وإمساكه بقرارات الدولة إلى أن أحكم سيطرته على الحدود البرية والبحرية، وتحكّم بمفاصل كل المؤسسات، وكتب بسطور من الدم ملحمة “الجحيم” الذي يعيش فيه اللبنانيون اليوم كرمى لعيون الولي الفقيه.

ودعَم الحرس الثوري حتى ينجح في تحقيق “الهلال” الذي يعزز النفوذ الإيراني من طهران حتى شواطئ البحر المتوسط.

لقد كان كلام وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان واضحا، عن الحل للتوتر الحالي في العلاقات مع لبنان يكون “أن تصيغ الحكومة في لبنان، أو المؤسسة اللبنانية مسارا للمضي قدما بما يحرر لبنان من الهيكل السياسي الحالي الذي يعزز هيمنة حزب الله، معتبرا أن هذا النظام يضعف مؤسسات الدولة داخل لبنان، بما يجعل لبنان يواصل السير في مسار يتعارض مع مصالح الشعب اللبناني”.

كانت المملكة قد صنفت أخيرا جمعية “القرض الحسن”، أو ما يسمى البنك المركزي لحزب الله، كجمعية إرهابية، لكونها توفر الأموال لكيان حزب الله، وجاء كلام وزير الإعلام جورج قرداحي عن الحوثيين وحرب اليمن وسلاح حزب الله في سوريا، ليفجر الأزمة التي تتوالى فصولا، فقد “فاض الكأس ووصل السيل الزبى”.

وقد كانت المملكة لدى تشكيل حكومة نجيب ميقاتي واضحة مع الفرنسيين، حين حاولت باريس دفعها مع دول الخليج إلى دعم خطتها لاخراج لبنان من أزمته الاقتصادية، إذ كان هناك إصرارا على عدم مساعدة لبنان ما لم يساعد نفسه برفع هيمنة حزب الله التي كرّستها الحكومة الجديدة وأدت الى أذية لبنان اكثر، عندما سمحت لمشغل إيران في لبنان بالتغلغل أكثر فأكثر في مؤسسات الدولة والسيطرة على المرافق الحيوية والمعابر، وفرض سياساته في القضاء والأمن، والتهويل بالحرب الأهلية من دون رادع أو وازع سياسي أو أخلاقي، ودفع الأمور نحو الانهيار الشامل.

لقد بات الخليجيون يدركون تماما أن أي مساعدة للبنان في ظل هيمنة حزب الله لن تكون مفيدة، فالحزب يحمي الفاسدين ويعطل الحياة السياسية والاستحقاقات الدستورية حسب مصالحه وأهواء حلفائه، من الانتخابات الرئاسية إلى تشكيل حكومات حزبيين وأتباع وفق محاصصات محسوبة، لا حكومات أصحاب الكفاءة ومستقلين، إلى تعطيل الانتخابات النيابية ووضع العصي في دواليب العدالة والامن.

لقد تحول حزب الله إلى مصدر لبيع الأسلحة والصواريخ ولتدريب ميليشيات الحرس الثوري المنتشرة في اليمن والعراق وسوريا، ومنظّم لخلايا الإرهاب في مصر والبحرين والكويت والإمارات وغيرها من الدول العربية. وصارت صواريخ حزب الله الباليستية تستهدف أراضي المملكة بدلا من استهداف إسرائيل التي يدّعي أنه يحاربها وأن هزيمتها باتت قاب قوسين على أيدي رجال “حزب الله” المقدسين.

جاء دفاع حزب الله عن قرداحي ورفضه الدعوات إلى إقالته وتقديم استقالته، ليزيد الطين بلة ويزيد من توتر الأجواء. ومن يراجع مواقف حزب الله على مدى السنوات الماضية سيجد الكثير من التصريحات وخطابات الأمين العام للحزب حسن نصر الله التي تتهم السعودية بالعدوان على اليمن، متناسيا انقلاب الحوثيين على الشرعية وهيمنتهم على مناطق يمنية ورفعهم العلم الإيراني، وأن “عاصفة الحزم” انطلقت بناء لطلب اليمنيين أنفسهم.

كان نصر الله يخصص في كل خطاب المملكةَ مهاجما إياها ويتهمها بوضع شروط تعجيزية للحل في اليمن، واعدا إياها “بالهزيمة”، متناسيا الجرائم التي قامت بها ميليشياته في اليمن وسوريا والعراق، من قتل وتجويع وسرقة وهيمنة، إضافة إلى تخريب التعايش وتأجيج المشاعر الطائفية والمذهبية والكراهيات بين أبناء الشعب الواحد.

ووصلت به الأمور الى القول إن أشرف ما قام به في حياته وأفضل شيء وأعظم شيء، هو الخطاب الذي ألقاه ثاني يوم من الحرب السعودية على اليمن، قائلا: “أشعر بأن هذا هو الجهاد الحقيقي، هذا أعظم من حرب تموز”.

وكان يرد على الدعوات للانسحاب من سوريا أن “طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني والسويداء والحسكة، واعتباره أن عاصفة الحزم عدوانا، معلنا الجهاد ضد السعودية”.

وكم من مرة هدد فيها المسؤولين السعوديين: “لن يبقوا طويلا، حسب السنن الإلهية والطبيعية”.

وجاءت تحذيراته للسعودية والإمارات مما أسماه محاولة الحرب على إيران: “أعيدوا النظر في حساباتكم والحرب على إيران ليست رهانا لأنها ستدمركم”.

في احتفالات عاشوراء طلعت هتافات وصيحات أنصار حزب الله “الموت لآل سعود”، اذ وضع نصر الله المملكة العربية السعودية جنبا إلى جنب مع عدويه اسرائيل والولايات المتحدة، وقال في أحد خطاباته: “نقول لأميركا… نقول لاسرائيل… نقول لآل سعود… نقول للتكفيريين لا والله لا نعطيكم بيدنا إعطاء الذليل ولا نقر إقرار العبيد نحن أهل الجهاد وأهل المقاومة”.

وهو اتهم السعودية بدعم “المشروع الإرهابي” في سوريا متعهدا بمواصلة ما وصفه بــ”الجهاد في مواجهة الحرب التكفيرية الأميركية”، كما اتهمها بالتخطيط لاغتياله بمشاركة أميركية – إسرائيلية، بسبب دعمه الحوثيين، متوعدا إياها بهزيمة “تاريخية ونكراء” في اليمن.

وفي خضم تلك المواقف النارية من نصر الله ضد السعودية وحكامها، يتساءل اللبنانيون اليوم كيف له أن يذكر نِعَم “الثورة الإسلامية” على حزبه وينسى نعم المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي على لبنان بأسره ودعم الدولة ومؤسساتها من الخراب والدمار وأثمان حروب “لو كنت أعلم” و”نيترات المرفأ” و”الاغتيالات”.

فإلى أين يسير لبنان اليوم الذي يتحول كيانه إلى “كيبتاغون” مهرّب تحت عباءة الولي الفقيه؟ سؤال يرتسم أمام كل ذوي الارادات الحية الحريصة على الكيان اللبناني وعلى هويته العربية.