هل يتحالف الحريري مع نفسه؟

3 نوفمبر 2021
هل يتحالف الحريري مع نفسه؟

Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/beirutnews/public_html/wp-content/themes/newsbt/includes/general.php on line 742
 عاصم عبد الرحمن
عاصم عبد الرحمن

لا شكّ أنّ الانتخابات النيابية تعتبر من الاستحقاقات الكبرى التي يخشى مواجهتها أي زعيم أو حزب سياسي مهما عظُم حجمه أو بلغ إنجازه، حدّ التفوّق على الصعد الوطنية والسياسية والاقتصادية وغيرها.

ذلك أنّ الوكالة التي يمنحها الشعب لنوابه مدّة أربع سنوات يُفترض أنها تنتهي إلى المحاسبة والمساءلة عن عملهم طوال الولاية عبر صناديق الاقتراع.

هذا في الدول التي تؤمن بالعملية الديموقراطية والمنافسة الحرّة وفق مشاريع وطنية وبرامج بنّاءة، إلا أنّ لهذا الاستحقاق في لبنان وجهاً آخر فهو بلدٌ خبزه طائفية وملحه مناطقية وماؤه عشائرية.

ما يميّز انتخابات ربيع 2022 – إن تمّت – هو أنها تُجرى في ظل انهيار مالي؛ اقتصادي؛ اجتماعي؛ سياسي وحتى أخلاقي، ذلك أنّ لغة الشجار أصبحت أزيزاً ليس من أجل لقمة العيش بل دفاعاً عن الزعيم العظيم.

وإذا كان سياسيو لبنان خاضوا الانتخابات النيابية عقب الخروج العسكري السوري عام 2005 إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بين معسكرَيْ 8 و14 آذار وفق تنوّع سياسي – طائفي داخل الفريقين استمرت مفاعيله حتى انتخابات العام 2009؛ ثم ما لبثت أن تبدّلت الخريطة السياسية اللبنانية إثر اندلاع الثورة السورية ودخول “حزب الله” إلى سوريا ووصول ميشال عون إلى قصر بعبدا من خلال التسوية الرئاسية بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل” ومن خلفهما “الحزب” و”القوات اللبنانية” خريف العام 2016 أدّت إلى تحالف بين معظم أركان التسوية في الانتخابات النيابية لعام 2018 منهيةً بذلك رسمياً جبهتَيْ 8 و14 آذار.

أما اليوم وعلى أبواب انتخابات المجلس النيابي الجديد لعام 2022 والذي تطمح من خلاله قوىً خارجية قبل الداخلية إلى إحداث تغيير كبير في موازين التركيبة السياسية المتجذّرة في السلطة منذ عقود، وذلك في ظل علاقات سياسية مبعثرة وتحالفات تسووية منهارة ومواجهات طائفية متوترة، ناهيك بالانهيار المالي والجوع اللذين يجمعان بين ثائر مدني ومنتفض حزبي ضد من أوصلهما إلى قعر جهنم وُعدَا بها.

وإذا كان الرئيس سعد الحريري اختار الاستقالة نزولاً عند رغبة ثوار 17 تشرين الأول 2019 ومن ثم فضَّل الاعتذار عن عدم تشكيل حكومة المزيد من الانهيار، فهل يدخل إلى ساحة الانتخابات المقبلة من باب المُعارض للعهد وسلاح “الحزب” غير الشرعي والمؤيّد لتطبيق نهائي لكامل مندرجات اتفاق الطائف؟ ماذا لو قرّر خوضها منفرداً بلوائح زرقاء على امتداد الـ15 دائرة في لبنان؟

بلغ عدد المقترعين في الانتخابات النيابية لعام 2018 نحو 1862000 من مجموع الناخبين الواردة أسماؤهم على لوائح الشطب والذين يبلغون 3746000 تقريباً، أي بنسبة اقتراع 49,70%. نال “تيار المستقبل” منفرداً بعد احتساب الأصوات التفضيلية التي حققها مرشحوه بشكل منفصل عن حلفائهم ضمن اللوائح الانتخابية أكثر من ٢٥٦٠٠٠ صوت على المستوى الوطني حسب “الدولية للمعلومات”.

إذاً يبدو واضحاً أنّ “تيار المستقبل” يشكل رافعة شعبية ضمن أي تحالف انتخابي يعقده؛ ذلك أنّ الحواصل الانتخابية التي تحققها اللوائح على مستوى الدوائر الكبرى تتوزّع فيها أصوات ناخبي “تيار المستقبل” بتوجيه من الرئيس سعد الحريري الذي يلتزم بدعم حلفائه كما حصل في دائرة الشمال الثالثة، بخاصة في زغرتا وعلى وجه الخصوص في البترون؛ دائرتَيْ بيروت الأولى والثانية؛ عكار؛ زحلة وغيرها، ولا تحتسب هذه الأرقام من ضمن الأصوات التفضيلية العائدة لـ”المستقبل” على اللائحة عينها، أي أنّ هناك الكثير من الأصوات المقترعة تضيع في دهاليز الالتزامات الحزبية والتحالفات السياسية، سرعان ما تندثر في مهب العواصف المصلحية والحسابات التنافسية عقب انتهاء الاستحقاق الانتخابي.

وبعيداً من لعبة الأحجام واحتساب الأرقام، هناك تياران منقسمان داخل المستقبل بين مؤيّد ومعارض لخوض الانتخابات النيابية بلوائح منفردة بلا تحالفات مع أي طرف سياسي – بخاصة بعد الأزمة الديبلوماسية التي تسبّب بها وزير الإعلام المحسوب على “تيار المردة”، والذي يعتبر الأقرب تحالفياً في الاتخابات المقبلة إلى “تيار المستقبل” – فلكل منهما وجهة نظره الآتية:

1 – التيار المؤيد يعتبر أنه من المفيد جداً خوض الانتخابات النيابية بلوائح زرقاء صافية منعاً لضياع الأصوات عند توزيعها بين المرشحين الحزبيين والحلفاء، عندئذٍ تصبّ أصوات الحريريين كافة في جعبة “المستقبل”، وبالتالي يمكن توجيه الاقتراع للائحة دونما اهتمام للصوت التفضيلي.

ويمكن هذه الخطوة أن تحرّر سعد الحريري من أي التزامات سياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات بخاصة إثر الأزمات السياسية والمالية التي تعصف بالبلاد والأحزاب على السواء، فلا يتحمل عبء الحليف المفترض سياسياً.

2 – التيار الثاني المعارض، والذي يعتبر أنه لا بدّ من ترجمة التفاهمات السياسية القائمة بين “المستقبل” وبعض القوى السياسية كالرئيس نبيه برّي، إيلي الفرزلي، سليمان فرنجية، بعض المجتمع المدني وليس بعيداً وليد جنبلاط. وإذا كان من الصعوبة في مكان ترجمة بعض هذه التفاهمات إلى تحالفات سياسية خاصة حركة “أمل”، المرتبطة بنيوياً بثنائيتها مع “حزب الله”، فإنّ من شأن هذه التحالفات السياسية – الإنتخابية – إن تمَّت – أن تمهّد لمرحلة سياسية مختلفة قد تشكل انطلاقة لعهد رئاسي جديد بانتظار ما ستؤول إليه خريطة المنطقة المنتظرة.

وإذا كان هناك مَن يعتبر أنّ “تيار المستقبل” يعاني ترهلاً تنظيمياً – مالياً نتيجة علاقته المتجمدة بالسعودية؛ سينعكس ضعفاً انتخابياً وتالياً تراجعاً في الحجم النيابي والدور السياسي، فالسؤال يُطرح هنا: هل أنّ الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى تعيش ربيعها التنظيمي والشعبي؟

الجواب قد يأتي في السابع والعشرين من آذار أو قد لا يأتي تبعاً لرغبات مَن يخشى خوض الاستحقاق الكبير وبالتالي يملك القدرة على تطييره وفق الأطر الدستورية والقانونية النافذة أو تلك الخاضعة…