تقف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أمام معضلات باتت تتطلب المعجزات من أجل معالجتها مع الشلل الذي أصابها.
فالأزمة مع المملكة العربية السعودية باتت أمّ الأزمات وما زالت مسدودة الأفق على الرغم من البيان القوي الذي أصدره رئيسها رافضاً “لغة التحدي والمكابرة”، التي قصد فيها “حزب الله”، ومعاكساً نهج الحزب “بأخذ اللبنانيين الى خيارات بعيدة من تاريخهم وعمقهم العربي وعلاقاتهم الوطيدة على كل الصعد مع الدول العربية ودول الخليج بخاصة ومع المملكة العربية السعودية تحديداً”.
فالحزب رفض طلب ميقاتي استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي بعد أن جاءت ردة الفعل الخليجية على تصريحاته معبرة عن أن الأزمة هي “قضية قلوب ملآنة وليست رمانة”، جراء هيمنة الحزب على السلطة في البلد.
وما حصل على هذا الصعيد لم يكن سوى إقفال أبواب استعادة الحوار مع الجانب السعودي الذي تقول مصادر سياسية متعددة إنه لو تنحى وزير الإعلام لكان ساعد في تجنب الإجراءات التي اتخذتها دول الخليج والرياض، والتي أضرت بإمكان معاودة التواصل على مستويات معينة للبحث في نقاط الشكوى الخليجية.
لا يرغب الحزب في استعادة العلاقات لعلمه بأن مواقفه العدائية تجاه المملكة ودول الخليج ستطرح على بساط البحث، وستقود إلى مناقشة دوره السياسي بمصادرة القرار السياسي اللبناني، نتيجة احتفاظه بالسلاح وتحويله لبنان إلى منصة تستخدمها إيران في تدخلاتها في دول المنطقة لافتعال الأزمات والحروب، ولا سيما في حرب اليمن.
ترى مصادر سياسية أن هذه الأزمة أقحمت لبنان في احتمال قيام دول عربية أخرى في التحفظ على الانفتاح على البلد لأنها قد تتضامن ضمناً أو في الموقف معها وفي كل الأحوال ستكون محرجة في مد يد العون له في سعيه لإيجاد الحلول لمأزقه الاقتصادي المالي والصعوبات في تأمين الخدمات الأساسية التي يعاني من نقصها أو من فقدانها.
وتتخوف هذه المصادر من أن يخف الحماس المصري والأردني حيال مساعدة لبنان، في استجرار الكهرباء والغاز إليه عبر سوريا، وتلفت في هذا السياق إلى صمت القاهرة إزاء أزمة العلاقات اللبنانية – الخليجية.
وتلاحظ أن الأردن تضامن على طريقته مع السعودية في تصريح لوزير الخارجية أيمن الصفدي الذي رفض الخميس الماضي، أي اعتداء على أمنها وأي إساءة لأشقائنا في السعودية والخليج”.
وقال: “نعتبر أمن المملكة العربية السعودية وأمن الخليج العربي جزءاً أساسياً من أمن المملكة (الأردنية).
وتذكر أيضا بالموقف التضامني الذي صدر عن الأمين العام للجامعة العربية مع السعودية إزاء الإساءة إلى دول الخليج.
تسأل المصادر إياها: إذا كانت استقالة قرداحي تم التعامل معها على أنها المدخل للبحث في أسباب الأزمة، من دون أن يعني أنها ستؤدي إلى حلها، وأدى رفض “حزب الله” تنحي وزير الإعلام إلى ارتفاع الأصوات في بيروت بالدعوة إلى استقالة الحكومة، فهل إن تصريحات وزير الخارجية ستسمح بالتعاطي العربي مع الحكومة؟ وهل هناك من سفير عربي سيكون متحمساً للتواصل مع رئيس الدبلوماسية اللبنانية في المرحلة القريبة المقبلة؟
وفي اعتقاد هذه المصادر أنه على صحة الإشارة إلى أن الرئيس ميقاتي التقى عدداً لا بأس به من المسؤولين العرب خلال حضوره قمة غلاسكو مطلع الأسبوع الماضي، فإن هذا لا يلغي التحفظ الذي سيطبع التعاطي العربي مع الحكومة اللبنانية في ظل انهيار علاقة لبنان مع دول الخليج.
والمسؤولون العرب يتعاطون مع رئيس الحكومة اللبنانية على أنه المسؤول اللبناني الوحيد الذي يمكنهم التعاطي معه في هذه الحال.
وفي مضمون لقاءاته بحسب المعلومات التي توافرت أن معظم من التقاهم اعتبروا أن الوجه الداخلي للأزمة يحتاج إلى المعالجة والتصدي له قاصدين بذلك حصول “حزب الله” على تغطية رسمية لسياساته نتيجة تحالفه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وليس بعيداً من الموقف العربي المرشح لتقنين العلاقة مع لبنان اضطرار الجانب الفرنسي هو الآخر إلى موقف يحمل في طياته تفهماً للموقف السعودي على الرغم من مراعاة باريس لـ”حزب الله” طوال الأشهر الماضية من باب طموح الرئيس إيمانويل ماكرون للعب دور في التخفيف من تصلب الحزب.
فماكرون نفسه كرر النصيحة العربية لميقاتي بأن معالجة الأزمة مع دول الخليج تبدأ من الداخل اللبناني.
ووزير الخارجية جان إيف لودريان الذي تولى قبل أسابيع مهمة إقناع السعودية في الانخراط في جهود مساعدة لبنان على تخطي أزمته الاقتصادية المالية من دون أن ينجح في ذلك، اضطر إلى التذكير بأن “فصل لبنان عن الأزمات الإقليمية له أهمية أساسية”، مؤكداً بذلك على مبدأ النأي بالنفس عن أزمات المنطقة، والذي صار مرادفاً لمطلب المجتمع الدولي وقف “حزب الله” مشاركته في حروب وأزمات المنطقة.
ودعا جميع الأفرقاء والمسؤولين اللبنانيين، إلى التهدئة والحوار مؤكدا أنه “أمر حاسم للمنطقة”.
وما تأكيد لودريان على أنه “يجب أن يكون لبنان قادرا على الاعتماد على جميع شركائه الإقليميين، لدعمه على طريق تطبيق الإصلاحات”، إلا التشجيع على أن يجد اللبنانيون حلاً داخلياً يمكنهم من الحصول على مساعدة الدول الأخرى.
الأزمة الثانية التي تشل عمل الحكومة، والتي استدعت من ميقاتي أن ينتقد في بيانه “نهج التفرد والتعطيل الذي تعرضت له الحكومة”، هي إصرار الحزب على إزاحة المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار، حيث يتردد أنه ربطها بالأزمة مع دول الخليج عبر ما أشيع في الأيام الماضية عن أنه يسعى إلى المقايضة بين استقالة قرداحي وبين تنحية بيطار، وهذه المقايضة تتطلب تطويع القضاء من أجل أن إزاحة بيطار عبر الآليات القضائية ولو صورياً عبر تدخلات لدى مراجعه، عبر الصيغ المتكررة من أجل “كف يد” المحقق، بناء للشكاوى التي يقدمها وكلاء النواب والوزراء الذين يلاحقهم.
هذه الأزمة تشل الحكومة وتمنع اجتماعها، ما يحول دون التطرق إلى الأزمة الثالثة الحيوية لإمكان انتشال لبنان من أزمته الخانقة وهي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وثمة ملامح تجدد الخلاف داخل الوفد المفاوض مع صندوق النقد امتداداً للانقسام حول العلاقة مع دول الخليج وحول التحقيق العدلي في انفجار المرفأ، في شأن أرقام الخسائر والفجوة المالية وتوزيع الخسائر التي سببتها بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف، قد تؤخر البداية الجدية للمفاوضات.
أما الأزمة الرابعة التي يمكن أن تختزل الصعوبات الجوهرية التي تواجه الحكومة فهي الخلاف الكبير على التعديلات على قانون الانتخاب والتي سيقدم “التيار الوطني الحر” طعناً بها أمام المجلس الدستوري ما يعتبر مؤشراً على إمكان تأخير أو تأجيل إجرائها، بحجة الوفاء بالمهل القانونية لاتخاذ الإجراءات الواجبة تمهيداً لدعوة الهيئات الناخبة إلى الاقتراع.
وهذا يقود إلى المخاوف من فراغ في السلطة التشريعية.
المعضلات الأربع يضيف البعض إليها التفاوض على الحدود البحرية التي على الرغم من إبداء رئيس الجمهورية بعض الليونة في شأن الخط البحري الذي يقبل به لبنان تبقى لغماً يحتفظ “حزب الله” بتوقيت استخدامه.