لا تتغير السرديّة المألوفة الخاصة بأداء حزب إيران عندنا، ولا يبدو أنها ستتغير او تتبدل لا قريباً ولا بعيداً ولا على المدى المتوسط… السردية التي تنص على أن المشكلة كامنة دائماً وأبداً عند الآخرين، والأزمة كامشة بتلابيبهم، والمآزق صناعتهم ووكالاتها حصرية لهم… ثم بعد ذلك، فإن البحث عن حل هو من صلب مسؤولياتهم وحدهم، وإذا اكفهرت الدنيا اكثر فذلك نتاج عجزهم الاكيد عن الإذعان المبكر والانصياع التام والتسليم الفوري والابتعاد بالتالي عن أوجاع التنتيع والرفض وما شابه هذا وذاك من “ارتكابات” غير واقعية!
وتلك تعني ان الحزب الايراني يبلّغ ولا يناقش! ويعلن ولا يستشير! ويقرر ولا يسأل! وينفذ ما يشاء ثم يحمل غيره الاعباء… وهو في ذلك يُشهر القول بما يعتقده ويعتنقه تماما من انه يحتكر الحق وأدواته، وكل الحق وليس بعضه! والمشكلة عند الغير اذا لم يسلّم بهذه المعجزة! واذا لم يستوعب ويهضم المعادلة المركّبة من اندماج المدد الرباني والاصطفاء الالهي مع الاخيار من البشر وآلة بأسهم وأدواته وترجماته وفقهه وتشريعاته وأشخاصه وحزبه!
ولا تركب المناقشة في السياسة ومدارسها مع ذلك التدريع المؤدلج والمصفّح والمدرّع، ولا تستقيم صفوفها وفروضها، بل يصحّ الظن ان اليقين في الحكم هنا هو وليد التجارب السابقة المريرة والحلوة! بحيث ان المعادلة مكسورة من أساسها وركائزها تبعا لانكسار احتمال او إمكان وضع طن من الحق في كفة موازية لكيلو من البارود! ثم تبعا لاصطدام الإرادة المحلية اذا توافرت، بالقرار المصلحي الخارجي لصاحب الرعاية والدعم والمال والمآل… وهذه ذروة محن الآخرين المحكومين بالاجتماع الوطني والهوية العامة مع اصحاب تلك السردية، وعدم أخذهم بأي خيارات غير مدنية وبأي اساليب غير نظامية وبأي منحى تدميري يوازي العبث ولا ينتج سوى المزيد والمزيد من المحن والكوارث والنكبات من دون طائل!
وفي رأس تلك المحن أن يكون الخيار الوحيد الممكن هو الارتكاز إلى الشرعية الكيانية والدستورية والتشبّث بإحيائها بكل وظائفها والركون إليها والى أحكامها المستندة الى النص الدستوري والقوانين المنسلّة منه ومن تفرعاته… ثم ان يتبين مثلما صار وحصل وتكرر مرة تلو اخرى أن ذلك المستند يحتاج الى من يسنده! وتلك الملاجئ تحتاج الى من يحميها ولا تصلح للجوء أحد اليها! وتلك الاطر النظامية والشرعية صارت او تكاد شراذم متنافرة لا رابط يربطها، ولا حكم مركزي منزّه عن الهوى الشخصي المريض يوازي بين تفاصيلها وعمومياتها، ولا ركن يحملها بعدل، ولا مرجع قادر على اقناع العموم بصلاحيته المرجعية او بترفّعه عن الأنا والذات وشياطين الغواية المالية والسلطوية الكثيرة والخطيرة! بل الاكثر صلفاً من ذلك كله هو ان الاندثار يتدحرج تبعا لاكتمال ظروفه ونضوجها وذهابها الى الاكتمال بحيث ان انكسار الدولة ومؤسساتها ووظائفها وادواتها بسبب “منافسة” دويلة الحزب الايراني لها يترافق في عصبة مكينة مع انكسار ماليتها واقتصادها وناسها وتراجع خدماتها اكثر مما كانت عليه سابقًا وانعدام السحر والمعجزات في اي حل مفترض او مطلوب تبعا لانتهاء تلك الازمان! والإصرار على منع احتمالها مجدداً ونسبيًا من خلال إكمال القطع والقطيعة مع شرايين الضخ العربي والخليجي التي صنعت او ساهمت في صناعة الكثير من معجزات الزمن الماضي وسحر ايامه ولياليه ورخائه وبحبوحته وفنه وجماله وأدواره …
لكن، ولا مرة شعر اللبنانيون، اهل الدولة واهل الدويلة بانعدام الوزن مثلما هو حاصل في ايامهم هذه… والجديد في ذلك هو سريان منطق التأزيم في كل مدار ومجال وبعدالة اذا صحّ التعبير! بحيث ان احدا لا يستطيع الزعم بانه في احسن حالاته وايامه وانتصاراته مهما اشتد الخطب وارتفع منسوب الخطاب! ومهما ادعى المدعي بانه غير معني بمحيط جزيرته! وبأن ارتفاع أسوارها يجعلها بمنأى عن الأمواج العاتية والرياح الصافرة والاعاصير المدمرة والمزمجرة..!
الأزمة الراهنة غير مسبوقة ومكشوفة ولا تترك مجالًا لأي ادعاء مخادع او مضاد او مكابر: هذه أزمة وجودية وليست انتصاراً إلهياً! وشاملة ولا تحتمل التفسير الغلط ولا الاجتزاء ولا ادعاء الريادة والتمايز عن الغير! والواضح لكل متبصر انها لا تزال في بداياتها!