كلمة السرّ الدولية: في حال الفراغ فليتسلّم الجيش!

15 نوفمبر 2021
كلمة السرّ الدولية: في حال الفراغ فليتسلّم الجيش!
 جورج حايك
جورج حايك

لم يهدف قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون إلى مناقشة مواضيع سياسية في زيارته الولايات المتحدة الأميركية، بل جلّ ما طمح اليه هو تسليح الجيش بما يلزم لضرورات دفاعية وللمحافظة على الأمن، وتأمين دعم مالي للمؤسسة العسكرية.

حتماً الشق العسكري للزيارة ليس سراً، وأكد فيه العماد عون أن الجيش مستمر في أداء مهماته بكل عزيمة وإصرار للمحافظة على الأمن والاستقرار، ومنع الانزلاق إلى الفتنة في لبنان، وهذا أهم ما تريده الإدارة الأميركية.

لكن على هامش الزيارة، التقى عون منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وعدداً من أعضاء الكونغرس، ونواباً أميركيين من أصل لبناني.

هذا الشق من الزيارة لم يُكشف عنه شيء والعماد عون أنجز مهمته وأهدافه في واشنطن من خلال تأمين الحد الأدنى من المتطلبات للجيش، وسمع كلاماً كثيراً عن رهان الإدارة الأميركية على الجيش لأنه المؤسسة الرسمية الوحيدة التي بقيت متماسكة في ذروة الانهيار السياسي والاقتصادي.

وقد سمع الأميركيون من قيادة الجيش، ليس في الزيارة الأخيرة بل في كل الزيارات السابقة، ما يطمئن إلى أن الاسلحة الأميركية المرسلة إلى الجيش لن تقع بيد “حزب الله”، لذلك التعاون مستمر، وتكاد تكون الولايات المتحدة المصدر الوحيد الذي يساعد الجيش اللبناني.

كما ذكرنا ان قائد الجيش يتكتم على كل ما هو سياسي لأنه يخرج عن إطار صلاحياته، والكلام المباح يبقى الجانب العسكري، إلا أن هذا لا يمنع أنه سمع الكثير من الكلام.

ويؤكد ديبلوماسي أميركي من اصل لبناني أن الادارة الأميركية لا تثق إلا بالجيش، لذلك امتنعت عن التعامل مع المنظومة السياسية اللبنانية وأهل السلطة وخصوصاً أنها مغلوبة على أمرها والقرار ليس في يدها إنما في يد “حزب الله”، لذلك تتجه أنظار واشنطن إلى الجيش والدور الذي يمكن أن يؤديه في حال الوصول إلى الفراغ.

ويلفت الديبلوماسي الأميركي إلى أن الإدارة الأميركية تتابع عن كثب ما يحصل في لبنان، وخصوصاً تردي العلاقات مع دول الخليج بسبب تموضع “الحزب” وعدائيته حيالها، وهذا ما سينعكس على لبنان، وفق الديبلوماسي، مزيداً من التدهور الاقتصادي والانهيار على كل الصعد.

وهو لا يستبعد أن تعمل المنظومة السياسية وخصوصاً “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” إلى تأجيل الانتخابات النيابية، لعلمها أنها ستخسر الأكثرية، وستحاول بكل الوسائل السياسية والدستورية والشعبية وحتى الأمنية عرقلة اجراء الانتخابات في موعدها، وبالتالي لن تقبل أكثرية القوى السياسية الأخرى والأكثرية الشعبية بأن يمدّد لهذا المجلس النيابي، ويتوقع الديبلوماسي أن يدخل لبنان في المجهول، في ظل عدم وجود حكومة ولا مجلس نيابي، مما سيمنع حكماً اجراء انتخابات رئاسية، وستنتهي ولاية الرئيس ميشال عون وسط حالة من غياب للسلطتين التشريعية والتنفيذية، في حين لن يقبل الشعب اللبناني ولا الأسرة الدولية بأن يبقى عون ولو لحظة واحدة في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته.

ويرى الديبلوماسي الأميركي ان قائد الجيش سئل كثيراً عن قدرة الجيش على إدارة البلد إذا استلزم الأمر، وهو يعرف أن مثل هذا السيناريو وارد بل ممكن حصوله مع هذه المنظومة الفاشلة التي ستؤدي إذا استمرت على هذه الحال، إلى اعلان لبنان دولة فاشلة من الأمم المتحدة.

كل طلبات العماد جوزف عون في واشنطن لتطوير قدرات الجيش وتأمين مستلزمات صموده في ظل الانهيار الاقتصادي، بدت مسموعة، بل لاقت تجاوباً كبيراً، لأن الإدارة الأميركية تجد الجيش اللبناني شريكاً كفيّاً وبعيداً من الفساد، ويمكنه إدارة البلد في حال الوصول إلى مرحلة فراغ.

ويوضح الديبلوماسي أن السيناريو الذي يتوقّع أن يحصل إذا استمرت حالة الفراغ مع وصول الرئيس عون إلى نهاية عهده، هو تسليم الجيش زمام الأمور لقيادة مرحلة انتقالية، ريثما تنضج التسوية في المنطقة وينظّم مؤتمر دولي من أجل لبنان لوضع أسس جديدة لنظامه السياسي، وربما تعديلات دستورية ضرورية تعيده إلى الحياة، لأنه قد يدخل في غيبوبة سياسية.

فيقوم الجيش عندها، بإدارته بالحد الأدنى كمؤسسة موثوق بها دولياً ومدعومة من الأمم المتحدة. وهذا الجوّ السياسي ليست بعيدة منه فرنسا التي تتابع أوضاع لبنان على نحو دقيق أكثر من الولايات المتحدة، وربما بالتنسيق معها.

ويقول الديبلوماسي الأميركي إن الجيش اللبناني يشكّل حلاً وسطاً بين المجتمع الدولي و”حزب الله”، ولن يكون الهدف من تسلّم الجيش للسلطة وإدارة البلد، وضعه في مواجهة “حزب الله”، لأن الاميركيين والفرنسيين يولون الاستقرار في لبنان أهمية كبرى، لذلك سيكون دور الجيش ادارة مرحلة انتقالية دقيقة يحفظ فيها الاستقرار وعدم الانزلاق إلى حال من الفوضى.

لكن قائد الجيش، بحسب الديبلوماسي، لا يحبذ تعاطي الجيش بالسياسة، ويأمل أن تجري الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، بل سيحرص على خلق أجواء من الاستقرار الأمني لمجرائها، ويتعامل مع الأمور بواقعية أكثر بعيداً من السيناريوات الدراماتيكية. إلا أن ما سمعه الأميركيون من العماد عون، هو قدرة الجيش وجهوزيته لتأمين الاستقرار مهما اشتد التصعيد السياسي.

وهنا، لن يجازف العماد عون بوحدة الجيش وتماسكه، لكنه لم يخف حاجته للمساعدة لأن السلطة عاجزة عن تمويل الجيش وتسليحه.

كل الاحتمالات واردة في لبنان، وما يحكى عن فراغ وفشل يبدو واقعياً، بل بدأنا نعيشه من خلال حكومة معطّلة، وعلاقات ديبلوماسية شبه معدومة مع الدول العربية، وانهيار اقتصادي ومالي كبير، واضطرابات أمنية هنا وهناك، لذلك يكبر الرهان المحلي والدولي على الجيش اللبناني، وكلمة السرّ المتداولة: يبقى الجيش هو الحل!

المصدر لبنان الكبير